الكاتب: الدكتور محمد القريشي

تنفذ الإدارة في اغلب الأحيان لدينا على طريقة البداوة ، حيث يتعامل المكلف (القسم الغالب) بإدارة أية مؤسسة (وزارة أو غيرها) مع مؤسسته تعامل الفارس مع فرسه ، حين يركبها ويركلها إلى وجهته دون التقصي عن حالة الفرس قبل الشروع بالحركة… يركب فرسه زاهيا وهو في أكثر أحيانه حاز عليها (غلبة) كحال أكثر من ثنيت لهم الوسادة بعد عام ٢٠٠٣ بطريقة الغلبة الحزبية او المصلحية او المحاصصة او العلاقاتية. حالة البداوة تتجلى كذلك بتسليط الاهتمام على مظاهر الإدارة كتوسيع المكتب وتغيير أثاثه وتهيئته لاستقبال ضيوف على طريقة (مضيف القبيلة) أكثر من إعداده لقيادة مفاصل تسيير المؤسسة تحقيقا لأهداف مرسومة .
وهو نهج مخالف تماما للإدارة الحديثة التي تشبه المباشرة بها حالة الطيار الذي تقوم وحدة الصيانة بعد كل رحلة بقياس الأوجه المختلفة المتعلقة بأداء طيارته وفق مؤشرات قياس رقمية لا تقبل المجاملة، ويقوم هو (الطيار) كذلك وفق عرف ساد بين الطيارين بفحص طيارته ضمن معايير خاصة به وذلك لان سلامته متعلقة بهذا الفحص كي لا يضع مصيره رهن أداء الآخرين …… هذا باختصار جوهر بداية إدارة أية مسيرة إدارية تخص المؤسسات (وزارات – منظمات – دوائر فرعية الخ) ولعله جوهر الإدارة الناجحة وما يتبعها تفصيلات فنية ….
وفي كل مؤسسة هناك مدخلات وهناك جسد المؤسسة الذي تتفاعل داخله المدخلات وفق سياسة الإدارة وفيها مخرجات وجميع ذلك يتم وفق معايير قابلة للقياس وموثقة وخاضعة لمؤشرات الجودة. وفي سياق إدارة الوزارات او الإدارات مثلا :
أن يقوم الوزير (او المدير) بإجراء تحليل استراتيجي مفصل لواقع مؤسسته يشمل الضعف والقوة والفرص المتاحة والمعوقات وفلسفة الوزارة … وطرق التحليل متعددة ومعروفة … كما يقوم بإجراء فحص دقيق للموارد المادية والبشرية المتوفرة …. هذا الفحص خطير جدا (للوزارات الفاشلة) لأنه سيكشف للوزير او المدير الجديد وجود طاقات بشرية خلاقة ومغيبة او ناقمة او موضوعة في غير مواقعها كما سيعينه في اعادة تصنيف الطاقات حسب تخصصاتها ويعينه في نهاية المطاف على اعادة توزيعها على هيكل الوزارة (او المؤسسة) او وضعها على مواقعها المناسبة ضمن الخطة الاستراتيجية القادمة …. يجري ذلك من خلال سلسلة مقابلات مع الموظفين تقوم بها هيئة متخصصة وفق سياقات خاصة اضافة الى توزيع استمارات استبيان خاصة تدعى (الوصف الوظيفي) بشكل لا يظهر به اسم الموظف وهي تكشف أمور غائبة عن الادارة مثل :
·       مدى فهمه لفلسفة الوزارة
·       قناعته بوظيفته الحالية
·       هل حصل على تدريبات حول عمله الحالي
·       هل هو مقتنع بإدارته
·       هل ينوي تغيير عمله
·       هل حقق طموحه الوظيفي
·       وغيرها
وفي السياق ذاته كذلك يتم تحليل الموارد المادية المتوفرة والمغيبة بسبب الاهمال او الفساد او التغيرات المكانية او السياسية ( ويدخل ضمن ذلك الموارد التي تتوفر من الاتفاقات مع الدول الاخرى او الوزارات الاخرى او هي في ذمة أطراف اخرى ولكنها لم تستوفى لسبب او لآخر).
بعد اجراء التحليل المفكك لواقع الوزارة (التحليل الاستراتيجي اضافة الى التحليل الخاص بالموارد البشرية والمادية) نتجه الى التخطيط الاستراتيجي لرسم الاهداف المرحلية..
التخطيط يتطلب كذلك خطة تواصل مع وزارات الدولة الآخري في المجالات المتعلقة وفي اكثر السبل مرونة (وهي خطة منفصلة وملحقة)
كما ان هناك خطة هرمية تفرزها نتائج التحليل تخص العلاقة بين المؤسسة و الحلقات العليا (الوزارة ورئاسة الوزراء مثلا) والمؤسسة مع الحلقات الأفقية ( الوزارة مع الوزارات ).
بعد تعريف الفجوة بين الواقع البدائي للوزارة والواقع النهائي المطلوب ووضع سياقات العمل وسبل التقييم ومؤشرات القياس والشروع بالعمل هناك خطة ملحقة تخص العلاقات العامة التي توجب تسويق مؤشرات التقدم الى الجمهور الداخلي اولا (جمهور الوزارة او المؤسسة) لانه ان لم يكن مقتنعا او مساهما او مؤيدا فهناك إذن مشكلة تعرقل تنفيذ الخطط) والى الجمهور الخارجي من خلال تقسيمه الى شرائح متعددة وتصنيف الرسائل ووسائل التواصل معه أستنادا الى نوع الشريحة …..
هذا جزء من نهج يتم تفصيله حسب المؤسسة تم تجربته بصورة ابتدائية على بعض المؤسسات العراقية فاشتعل نتيجة ذلك الراس شيبا وانتفخت العروق غضبا وتوجهت العيون الى السماء دعاءا وسار العراق في طريقه حزينا خاسرا !!!!