الكاتب: الدكتور عادل عبد الصادق

الشهادة ( 5 )

الدكتور عادل عبد الصادق هو كاتب وخبير استراتيجي مصري بوحدة الإعلام ودراسات الرأي العام بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ، ومدير برنامج دراسات المجتمع الرقمي بالمركز ، ويختص عبد الصادق في أبحاث الفضاء الإلكتروني والعلاقات الدولية، والشئون الأمنية.


وقد كتب الدكتور  عبد الصادق مقالاً مطولاً حول إنطباعاته عن ملتقى الرافدين RCDFORUM2022 وبعض مشاهداته ، وفيما يلي نص مقاله:

 

ملتقى الرافدين للحوار منصة لإدارة التنوع في المرحلة الانتقالية

د.عادل عبد الصادق

 

تلقيت في الفترة من 26-30 سبتمبر2022 دعوة كريمة من مركز الرافدين للحوار للمشاركة في ملتقاه السنوي هذا العام ، وذلك للمرة الثانية على التوالي

وعلى الرغم من إبداء البعض لي عن مخاوفهم هذه المرة من الأوضاع الأمنية هناك كانعكاس للوضع السياسي المتأزم ، إلا إنني أصريت على المشاركة لعدة أسباب أولهما هو إيماني الشديد بأهمية البقاء عن قرب من التطورات الداخلية في العراق من منظور بحثي وثانيهما هو اهتمامي الشديد بوجود مصر قلب العروبة في مثل هذه الملتقيات وان عملية الانسحاب شيء مضر لتاريخنا المشترك ، ويعطي فرصة لبعض القوى الخارجية في فرض إرادتها ونفوذها كما تفعل إيران او تركيا ،وثالثهما ان العراق يمر بمحنة في مرحلته الانتقالية وهو امر يستلزم الوقوف معه من اجل المرور من عنق آلام تلك المرحلة الى أفق الوصول إلى الدولة المدنية الحديثة التي تعتمد على المواطنة والمساواة وسيادة القانون كمنصة للتقدم نحو المستقبل .ورابع تلك الأسباب هو ما يقدمه مركز الرافدين للحوار من تجربة فريدة في كيفية تحويل مركز بحثي الى منصة وطنية لإدارة الاختلاف والتنوع داخل المجتمع وبخاصة في ظل المرحلة الانتقالية التي يمر بها العراق ، وتقديم نموذج لادارة  حوار مفتوح بدون قيود بين الفرقاء السياسيين وجعلهم على اتصال مباشر بالرأي العام ليس فقط المحلي بل كذلك الإقليمي والعالمي ، وهو ما يعزز من جهة أخرى حجم المدعون للمشاركة من بلدان العالم المختلفة حيث شارك ما يزيد على 35  جنسية مختلفة تعكس التنوع ما بين الشرق والغرب ،وجمع الملتقي في اجندته بين التركيز على الشأن العراقي الداخلي وما بين القضايا الاقليمية والعالمية مثل ازمات المغرب العربي وازمة الحرب الروسية-الاوكرانية وقضية تاثيرات التغير المناخي الى جانب التحول الرقمي والامن السيبراني.وجاء ذلك في شكل جلسات عامة وورش عمل ولقاءات خاصة.    

ويأتي انعقاد الملتقي هذا العام في ظل بيئة محلية وإقليمية مختلفة لعل من ابرز معالمها هي حالة البحث عن إعادة إنتاج السياسة وفتح حالة حوار بين كافة القوى الوطنية في العديد من دول الإقليم من اجل تعزيز الفرصة لمواجهة التحديات ،وبخاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية-الاوكرانية وغيرها، ويقدم نموذج ملتقي الرافدين حالة فريدة من إدارة الحوار سواء بالنظر الى حجم وزخم مشاركة كافة الشخصيات السياسية الحالية والسابقة او حجم متابعة وسائل الإعلام المحلية للحدث او بالمشاركة الفاعلة من قبل قادة سياسيين نافذين منهم من كان يمارس العمل الميداني العسكري ،وهو ما الامر الذي جمع كافة القوى الكبري والقوى الصاعدة والتيارات المدعومة دينيا والاخري ذات التوجهات الليبرالية ، وما بين القوى الوطنية والأخرى المدعومة من بعض القوى الخارجية ، وما بين الشباب والشيوخ ،وهو ما يجعله كرنفال سنوي ثقافي وسياسي يلعب دور مهم في نقل الحوار الوطني من الغرف المغلقة الى الفضاء المفتوح ، وفلترة مواقف بعض القوى السياسية وإعادة إنتاج مواقف الأخرى ، والكشف عن التوجهات المتبناة من قبل التيارات النافذة في السياسة العراقية أمام الرأي العام ،  ويتم خضوع تلك الأفكار الى الحوكمة من خلال  فتح الباب للنقاش والتعليق عليها ويتم الاستعانة بمحاورين على قدر كبير من المهنية ، وبشكل يجعل السؤال مباشر ولا يحمل التأويل المتعدد وهو ما يجعل الضيف امام تحدي التعبير عن موقفة بشكل أسرع وأوضح بشكل يجعل الحضور مدركين وفاهمين ما يقوله ،لان سوء التقدير او التعبير من شأنه ان يخصم من رصيد تلك القوى السياسية .وهو الامر الذي يكشف عن حرص جميع القوى السياسية في المشاركة وان عملية نجاح اعمال الملتقي هي مصلحة لجميع الفرقاء السياسيين .  

ويقدم الملتقي من جهة اخرى نموذج جدير بالاهتمام نتيجة الى خروجه عن الطابع البيروقراطي الى طابع مرن مفتوح امام مشاركة الجميع ، وتقديم الخبرة والتجارب من قبل السياسيين امام الشباب او القوى الاخرى ، ويتحول الملتقي الى منصة مفتوحة للحوار الوطني يخدم عملية التحول الديموقراطي ويساعد في التجنيد والتعبئة لظهور سياسيين جدد ،وتقدم تلك القوى المشاركة فيه جردة حساب امام الرأي العام بما يجعله قادرة على اتخاذ القرار بشأن الانتخابات او الموقف من القوى السياسية بناء على معلومات واضحة ومنبثقة من المصادر الأولية لصانعي المشهد السياسي العراقي الراهن ، وهو ما يصب في الأخير الى لجوء السياسيين او القوى السياسية الى تبني مواقف مرنة وإحداث تحول فكري ومراجعة تبعا لتغير التوجهات او ملاقاة للأخطاء من قبل عناصرها ، وبخاصة مع بقاء إلية الاحتجاجات كعنصر ضغط مستمر على المؤسسات السياسية التي تم تشكيلها ، والدفع قدما  لبناء دولة المواطنة ونبذ المحاصصة الطائفية في سبيل بنا دولة القانون والمساواة وبناء  نموذج نهضوي وطني يلبي طموحات الأجيال الجديدة ، ويتحرر من القيود لبناء مستقبل الدولة العراقية المتوازنة في علاقاتها الخارجية والمحافظة على سيادتها واستقلالها الوطني ، وليعود العراق إلى لعب دوره كجزء من الهوية العربية والإسلامية لدول الإقليم .  

 الدكتور عادل عبد الصادق

مدير المركز العربي لأبحاث الفضاء الالكتروني- خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتجية