أقامَ مركز الرافدين للحِوار R.C.D جلسة حوارية عنوانها "التجربة السِياسِيَّة بين مُمارَسَة المُعارَضة ومُمارَسَة السُلطة"، استضاف فيها سَماحَة الشيخ "حَميد معلَّه" رئيس الهيأة العامَّة لتيَّار الحِكمَة الوَطني. وقد تحدَّث الشيخ "معلَّه" عَن طبيعة الوضع السياسي العِراقي، مُستعرضاً أهم المفاصِل الزمنية التي تشكلَّت بموجبها هُويَّة العراق السياسية، مُضيفاً وجود ثلاثة عوامِل تُؤثِّر فيه، الأول هو العامِل الدولي، والثاني هو العامل الإقليمي، أمَّا الثالِث، والذي عدَّهُ "معلَّه" الأهم والأكثر تأثيراً، هو العامِل المحلي , والذي اكد على اهميته مع شريطة وحدته وتكاتفه او على الاقل توافقه على المشتركات الوطنية والا فهو الاضعف حينما يتشرذم الناس على أساس الطائفية والعرقية والحزبية والمناطقية الخ.

          وقد أوضح المُحاضِر أنَّهُ كانت هناك أمام العراقيين ثلاثة خيارات، أولها التقسيم، وثانيها اللادولة، أمَّا الثالث فقد تمثلَّ بخيار الدولة القوية. مُستدركاً بالقول أنَّ النموذج الذي اتسمَّت به الدولة العراقية، منذُ تشكيلها في العشرينات من القرن المُنصرم، كان ذا صبغة طائفية.

          إنَّ الصِراع – كما يرى معلَّه – والخِلاف على شكل النموذج السياسي والإداري الذي ينبغي أن تسير عليه الدولة العراقية بعد 2003؛ كان سبباً في تلكُّؤ قيامها مُذ ذلك الوقت، مُؤكِّداً على وجود الكثير مِن المَشاكِل في العِراق، والتي تحتاج إلى حلول جديَّة، مِنها الفساد والبطالة ومُشكِلات الشباب، وهي جميعها بحاجة إلى الوقت، مُشيراً بأنَّ البلاد تسير نحو حل المُشكلات السياسية للنهوض بواقعها، وإن كان ذلك المسير بطيئاً، مُضيفاً أنَّ خطر التقسيم قد ولَّى منذُ تكاتف العراقيين في دحر خطر الإرهاب، والدولة الآن دخلت في مرحلة جديدة تحتاج من الجميع إلى تظافر الجهود في سبيل النهوض والترَّقي. 

الاستنتاجات:

1. على الرغم من قِدم العراق وتاريخه وعمقه الحضاري، إلاَّ أنَّه لم يشهد، طِوال ذلك التاريخ، مدلولاً جُغرافياً أو سِياسِياً، وإنَّ المدلول الجُغرافـي له كان قد تجلَّى بعد سقوط الإمبراطورية العُثمانية. وقد لعبت، عوامل ثلاثة، في تكوين ذلك المدلول أو الطبيعة الجُغرافية للعراق، هي: انهيار الدولة العثمانية، ودخول جيوش الاحتِلال للمنطقة بشكلٍ عام، وللعِراق بشكلٍ خاص، وأطماع هذه الجيوش في تقسيم المنطقة، التي يُعدُّ العراق جُزءاً أساس منها.

2. الإشكالية الأبرز التي واجهت الدولة العراقية مُنذ تأسيسها، في بداية العشرينات من القرن المنصرم، تمثلَّت بطبيعة النظام السياسي الواجب تبَّنيه والمناسب للتعدُّديَّة الأثنية للمُجتمع، إذ لم تتبلور لهذا البلد هُويَّة سياسية واضِحَة.

3. تمَّ تبَّني النِظام الملكي في بداية تأسيس الدولة العِراقية، لأنَّهُ، وفي تلك الفترة، اعتُبرَ أنَّهُ النظام الأنسَب لإدارة التنوُّع العِرقي والطائفي في العراق، إلاَّ أنَّ اتهام الملكية بالفساد وعدم الفاعلية أدَّى إلى تغيير ذلك النظام واستبداله بالنِظام الجمهوري. 

4. شهد الحكم الجمهوري مجموعة نماذج من الأنظمة العسكرية ، ثم تلتها انظمة دكتاتورية بدرجات مُتفاوتة، إلى أن جاءت لحظة سقوط النظام السابق في سنة 2003.

5. تميَّزت الفترة، من تأسيس الدولة العراقية الحديثة وإلى سنة 2003، بأنَّها اصطبغت بالصبغة الطائفية، إذ كانت تتسِّم بمُعادلة مفادها "حُكم الأقليَّة للأكثرية"، أمَّا المرحلة بعد 2003 فهي مرحلة الدولة الفدرالية التي اتسمَّت بتغيير تلك المُعادلة.

6. بعد سنة 2003 كان العراق أمام ثلاثة خيارات، تمثَّل الخيار الأوَّل بالتقسيم إلى عِدَّة دول، أمَّا الخيار الثاني فقد كان خيار اللادولة أو الدولة الضعيفة او دول المكونات والاحزاب الموازية للدولة الشرعية، فيما كان الخيار الثالث هو خيار الدولة القوية. وقد كان لكل خيار من الخيارات التي واجهتها الدولة العراقية، داعمون ومعارضون، ومن مُختلف القوى السياسية العراقية.

7. إنَّ خيار اللادولة هو خيارٌ خطير، ولا يُؤدّي إلاَّ لتقسيم الدولة، وبذا سوف ينتج عن ذلك تشَّظي الُمجتمع والانزلاق إلى حافَّة الهاوية.

8. بعد سنة 2018 وما تلا الانتصار على الإرهاب؛ تلاشى خطر التقسيم عن العراق، وأصبح البلد يتَّجه نحو الدولة القوية، ولكن بخُطى بطيئة.

9. هنالك عوامل لعبت دوراً مهماً وفاعلاً في الشأن السياسي العراقي وطبيعة تشكيل النظام السياسي وهي:

• العامل الدولي: والذي تمَّثل بتدخُّل الدول الكبرى فـي الشأن العراقي، برغم ادعَّـائِها عدم التدخل وترك الأمور للعراقيين لتقرير مستقبلهم.

• العامل الإقليمي: يُمثِّل صِراع القوى الإقليمية على المصالح والنفوذ داخل العِراق، إذ أدَّت التدخلات الإقليمية لكل دولة إلى إرباك الوضع السياسي العِراقي والحيلولة دون تشكيل هُويَّة سِياسِيَّة راسِخة.

• العامل المحلي: ويُقصَد به التفاعل بين القوى السياسية العراقية، المُمثِّلة لجميع المُكوِّنات، وهو العامل الأقوى في التأثير على مُستقبل العراق من العامِلين السابقين، خصوصاً إذا اتسَّم هذا العامل بوحدة الموقف والاتفاق على القضايا الجوهرية.

التوصيات:

1. هُناك خطوات مُتقدِّمة نحو تحسين الوضع السياسي، لكنَّها بطيئة، والاستمرار بهذه الخطوات مُهمٌ لانتِشال الواقع العراقي مِمَّا هو عليه.

2. طبيعة النظام السياسي القائمة لا تُنتِج نِظاماً قوياً، وبذ فلا علاج للمشاكل التي يُعاني منها النظام السياسي العراقي إلا بحكومة قوية ومُعارضة بنّاءة تُمثّل القيم الديمقراطية الحقيقية.

3. التحالفات التي حدثت بعد نتائج الانتخابات (تحالف البناء، وتحالف الإصلاح والإعمار) تُعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ أن كل تحالف ضمَّ خليط من المكونات الأساسية في المجتمع العراقي، وهذا مُؤشِّر إيجابي للابتِعاد عن التخندق الطائفي، لذا فإنَّ تقوية هذه التحالفات ومأسستها ضرورة ماسَّة، للسير بالعَملية الديمقراطية إلى برّ الأمان.

4. هُنالك إمكانيَّة لتقويض الفساد في الدولة العراقية، ويجب أن يتُم السير باتجاه ذلك وبخطوات واثقة وجهود قوية على مُختلف الأصعدة. 

5. الاتفاق بين الأحزاب، التي تُمثِّل المكونات الأساسية، مُهم جداً للتقدُّم والنهوض بكافَّة المُسؤوليَّات، وتوجيه بوصلة الأداء السياسي بالاتجاه الصحيح، إذ أنَّ في الانقسام تراجعٌ، وفتحٌ للمجال أمام المُخرِّبين والفاسِدين.

6. الحلول تأتي من خِلال البرامج وليسَ في الخِطابات فقط، لذا يَجبُ اتبَّاع بَرامِجَ حقيقية وناجعَة، من شأنها تحسين الواقع على كافَّة الأصعِدة، وإنَّ العَمَل الجاد لا يُقاس إلاَّ من خِلال تقديم المنجزات وتوفير الخدمات.

7. العراق بدأ يستعيد عافيته وسُمعته ومكانته دولياً، وهنالك خطوات جادَّة للسير نحو ترسيخ ذلك، لا سيَّما في المجال الإعلامي. 

8. الشباب هُم الحل، ويجبُ عدم التفريط بقُدراتهم للنهوض بالبلد فيما لو تمَّ الاهتِمام بهِم وتمكينهم. وينبغي التفريق، هُنا، بين تمكين الشباب وتسليط الشباب.

9. يجب أن تكون الإخفاقات، التي حدثت في الفترة الماضية، دافعاً لتصحيح المسار، وليس وسيلةً للإحباط والتقاعس عن أداء المسؤولية تجاه هذا البلد.