عَقَدَ مركز الرافدين للحِوار R.C.D ندوة حَواريَّة على قاعة "سيرجيو ديميلو" تحت عُنوان (وزارة الإعمار والإسكان: الرُؤية المُستقبليَّة ومُعوِّقات التنفيذ) في يوم 25/3/2019، ألقى فيها معالي وزير الإعمار والإسكان والبلديات والاشغال العامَّة الأستاذ "بنكين ريكاني" مُحاضرة عن طبيعة المشاريع التي تُنفذها الوزارة وسُبل حل المُشكلات الفنيَّة التي تُواجه الوزارة. وقد تحدَّث "ريكاني" عن الحاجة المُلحَّة في العراق إلى الوحدات السكينة، والتي تُقدَّر بـ (3) ملايين وحدة، مُشيراً إلى اشتراطين ضروريين في تنفيذ المشاريع التي يُراد لها النجاح، هُما الجدوى الاقتصادية والمُواصفات الفنيَّة.

 

          وقد أكَّد السيِّد الوزير أنَّ أسباب غياب الجودة في المشاريع التي تُنفَّذ تعود إلى اعتِماد مُواصفات وأساليب قديمة، تعود لبدايات القرن المُنصرم، بالإضافة إلى أنَّ العطاءات التي تُقدَّم؛ تأتي باسم شركات أجنبية رصينة.. والحقيقة خِلاف ذلك، إذ أنَّها تعود لشركات وهمية أو غير رصينة.

 

          فضلا عن ذلك، فقد تناول الوزير "ريكاني" العديد من الملَّفات المُهِمَّة. وقد حضر الندوة العديد من الشخصيَّات من ذوي الاختِصاص، وأكاديميين ورجال دين ومسؤولين في الدولة. وفي ادناه اهم ما توصلت اليه الندوة من استنتاجات وتوصيات.

الاستنتاجات: 

1- أحد مقاييس التنمية في الدولة الحديثة هو ما تُوفِرَّه الأخيرة من خدمات، كالماء والمجاري، ومن ثُمَّ الطاقة، ومن بعدها الطرق، وإنَّ نسبة توفير خدمة المياه في العراق تصل إلى حوالي (90%)، أمَّا نسبة توفير خدمات الصرف الصحي فهي تصل إلى (18%).

2- يحتاج العراق إلى بناء (3) مليون وحدة سكنية لكي يستوعب الزيادة السكانية السنوية، والبالغة حوالي (3%) سنوياً، أي إضافة بنحو مليون مُواطِن سنوياً، وهي من أعلى النسب بالعالم.

3- العَقل الجَمعي الذي يُحرِّك العراقيين ضدَّ الطبقة السياسية، من حيث تعميم الاتهام بالفساد والسرقة وفشل الإدارة وغيرها من المقولات، والتي تصدر أحياناً من مسؤولين بالدولة؛ أدَّت إلى فقدان الثقة، الذي أدَّى بدوره إلى عدم احترام المواطنين - وأحياناً المسؤولين - للمال والنظام العام، الأمر الذي انعكسَ سَلباً عَلى الواقِع الخِدمي في البلاد.

4- يستلزم، لانشاء المشاريع الناجحة، مسألتين: الأولى الجدوى الاقتصادية من المشروع، والثانية وضع المواصفات الفنيَّة والكُلَف النِهائية. بعض المشاريع في العراق لم تراعى فيها الجَدوى الاقتصادية، ومنها إنشاء دور استراحة في جميع المحافظات بكُلفة وصلت إلى (5) مليار دينار، ويُعدُّ هذا وجهاً من أوجه الهدر بالمال العام.

5- أغلب المواصفات الفنيَّة، للمشاريع المقدَّمة في العِراق، تعتمِد تكنولوجيا قديمة تعود إلى الأربعينات أو الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك لأنَّها تأتي من جهات غير رصينة، يُضاف إلى ذلك؛ فإنَّ التقديم للمشاريع يكون بأسماء شركات هولندية أو بريطانية غير حقيقية، وقد انعكس هذا الأمر على تعثُّر إنجاز المشاريع، أو إنجازها خِلافاً للمُواصفات الفنيَّة المطلوبة.

6- ترجع زيادة عدد العشوائيات في العراق، إلى عِدَّة أسباب، منها عدم توزيع الدولة للأراضي السكنية منذُ زمنٍ بعيد، كذلك استغلال البعض ضعف القانون من أجل الحصول على قطع أراضي في العشوائيات، وبسبب العشوائيات وطبيعة الأحياء المُقامَة؛ فقد تشوَّهت صور المدن العِراقية عمَّا كانت عليه قبل ثلاثين سنة.

7-  تتجِّه الدولة إلى إنشاء مدن جديدة تبلغ مساحتها ثلث المدن الموجودة حالياً، إذ تُوزَّع الأراضي فيها لجميع المواطنين من دون إعطاء تمييز لموظفي الدولة عن غيرهم، كما سيتُم توفير الخدمات فيها قبل بنائها، بحيث لا ينتقل المواطن للعيش في الصحراء، وسيتُم استيفاء أجور الخدمات الموفرَّة للفقراء مِمَّا يدفعه الأغنياء، بينما تتحمَّل الطبقة الوسطى تكلفة توفير الخِدمات المُوفرَّة لهم.

8- تُواجه عملية توزيع الأراضي عقبات قانونية وبيروقراطية، ذلك لأنَّ الأراضي في العراق تابعة لوزارة المالية، وتُواجه، عمليّة نقل ملكيتها الى جهة اخرى، عقبات روتينية، منها لجان التقدير، فضلاً عن العقبات المالية، والتي تتمثَّل بتوفير الأموال الكافية لذلك.

9- أقرَّ مَجلس الوزراء بناء وحدات سكينة عددها ثلاثة وثلاثون ألف وحدة سكنية للفئات الفقيرة الذين تنطبق عليهم شروط قانون الرعاية الاجتماعية.

10- عدم اعتماد البناء العمودي لعدم وجود ثقافة عند العراقيين للسكن فيه، فضلاً عن ذلك فإنَّهُ يحتاج إلى كلف صيانة عالية تصل إلى (200) دولار شهرياً.

11- تحويل شبكة الطرق في العراق إلى شبكة ذات اتجاهين، في جميع أنحاء العراق، تُكلِّف (5) تريليون دينار، وتحتاج إلى ثلاث سنوات لتنفيذها.

12- تُواجه الحكومة العراقية تحدِّياً، على مُستوى بناء المناطق المُحرَّرة مِن داعش، إذ أنَّ عملية إعادة الإعمار تحتاج إلى جهود أكثر من عملية البناء الجديد.

 

التوصيات:

1. إبعاد قطَّاع الخدمات عن السياسة، إذ أنَّ تدخُّل السياسيين في رسم المشاريع أو تنفيذها؛ سيبعدها عن المهنية المطلوبة للتنفيذ.

2. يجب الابتعاد عن التسقيط الجمعي للسياسيين والمسؤولين الحكوميين، أو تعميم الاتهام بالسرقة والفساد على الجميع، لأنَّ ذلك يُؤدي إلى سخط المواطنين على الدولة، وبالتالي يجّر إلى التجاوز على المال العام.

3. يجب أن يتُم التركيز، في المشاريع الاستثمارية، على المشاريع التي تجلب رؤوس الأموال للبلد، مثل الصناعية والسياحية، أو تقديم الخدمات الصحية، مثل بناء المستشفيات، وليس إعطاء استثمار للمشاريع غير المُنتجة مثل محطات الوقود.

4. يجب أن يتطوَّر النظام المصرفـي في العراق، إذ أنَّ بقاء النظام المصرفـي على ما هو عليه، من نُظُم قديمة ومُتخلِّفة؛ لن يُساعِد عمليات الاستثمار في مُختلف القطَّاعات الخِدمية.

5. يجب ان تبقى، صلاحيَّات التصميم الأساس للمُدن، ضمن مسؤولية الوزارة، لضمان المحافظة على المناطق الخضراء، وغيرها من المرافق الحيوية للمدينة.

6. زيادة القيود على تسنُّم المواقع الإدارية وحصرها بالفئات المُختصَّة؛ يُعدُّ نوعاً من أنواع القضاء على الفساد والمحسوبية، ومن هذا المنطلق اشترط وزير الإعمار والإسكان ألاَّ يشغل منصب مُدير البَلدية إلاَّ من يَحمِل شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية أو المعمارية.