في نقطة حِوار بين أعضاء مركز الرافدين للحوار-RCD
شرع العراقيون، أولَّ مرة في تاريخهم، بكتابة دستورهم بأيديهم، مع باكورة عراق جديد، وقد كُلِّفت لجنة في هذا الشأن، بتوافق جميع الكيانات السياسية، ليشهد العراقيون ولادة هذا العقد الاجتماعي الذي سعى فيه المشرِّعون إلى عدم إغفال أيَّة شريحة من شرائح المجتمع العراقي. ولأنَّ مَن كتبه بشر، فهو ليس نصَّا سماويا، ومن ثمَّ لا يُنتظر أن يكون نصًّا كاملا أو متكاملا؛ لذا نصَّت إحدى فقراته على مبدأ (التعديل) في ضمن السياقات القانونية.
ويرى بعض أنَّ هذا الدستور واجه هجمة شرسة، من دون أن يجد مَن يدافع عنه، وصار السياسيون يحتكمون في الأزمات فقط، بما يصبُّ في مصالحهم، ومن ثمَّ يتجاوزونه حين يتوافقون على ما اختلفوا فيه.
وفي هذا السِياق أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوارRCD رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم في هذا الشأن، وهم:
1. الدكتور طالب محمد كريم، عضو مجلس إدارة مركز الرافدين للحوارRCD
2. الدكتور عامر الموسوي، مدير عام في مستشارية الامن الوطني العراقي
3. الاستاذ محمد عبد الجبار الشبوط، رئيس شبكة الاعلام العراقي السابق
4. الدكتور علي البغدادي، باحث وأكاديمي
5. ‏‪الدكتور حازم وطن، قيادي في المجلس الأعلى الاسلامي العراقي‬‬
6. الأستاذ سعيد ياسين موسى، ناشط مدني
7. الأستاذ ثائر الدليمي، رجل اعمال
8. الأستاذ رمضان البدران، رجل اعمال

وجرى الحوار بينهم على النحو الآتي:

 

الدكتور عامر الموسوي:

الدستور العراقي من أحدث الدساتير في المنطقة، وقد كتب بما يوائم المبادئ العامة للقواعد القانونية الدولية والأممية. نعم، واجه الدستور العراقي هجمة شرسة، من دون النظر في مبادئه ومحتوياته، في الوقت الذي لم يجد مَن يدافع عنه دفاعا فاعلا ...

أمَّ حماية الدستور، بحسب ما جاء فيه، فهي سياسية من رئيس الجمهورية والنظام السياسي، وقضائية من المحكمة الاتحادية. وكان يُنتظر من النخب والكوادر المثقفة والفاعلة في المجتمع أن تدافع عن الدستور. وقد أثَّرت الخلافات السياسية في الوثيقة نفسها، إذ أصبحت الدولة دستورية في الخلافات فقط، ويلجأ الساسة إلى الدستور في الأزمات ويشيحون بوجوههم عنه في الرخاء، أو حين يتوافقون على ما هم فيه مختلفون...

 

الأستاذ ثائر الدليمي:

طالما اتفقنا، أنا وأنتم، على أنَّ ثمَّة أخطاءً جسيمة قد رافقت الانتخابات الأخيرة، لذا يتوجب علينا تصحيح المسار بالطريقة الحضارية التي تستند إلى الأسس القانونية والدستورية؛ فالدستور (العقد الاجتماعي) الذي كتبناه بأيدينا وباركته المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف، لا بدَّ لنا من أن نكون مثالا للالتزام بما جاء فيه...

والدولة العراقية هي القطب الذي تدور عليه رحى المعادلة السياسية في البلد، إذ تمتلك، على سبيل المثال لا الحصر:

1. قرار السلم والحرب 2. إصدار العملة 3. سلطة الطيران 4. إصدار شهادة الميلاد      5. إصدار هوية الأحوال المدنية 6. إصدار شهادة الوفاة 7. إصدار شهادة التسجيل العقاري    (الطابو)...، على وفق الدستور أو (العقد الاجتماعي) والقوانين النافذة. وبعضهم يتفتل أحيانا قائلا: بريطانيا ليس لها دستور، ونحن نقول، نعم، ولكن لديهم (المكناكارتا)، والقوانين والأعراف...

وبعد، فمَن لا يحترم الدستور والقانون لا يسعى لتأسيس دولة، بل هو يعمل للإبقاء على حالة اللا دولة التي نعيشها، حدَّ الهيمنة على ثروات البلاد واستعباد العباد، وإلَّا لماذا صوَّتنا على الدستور وناضلنا من أجل دولة العدالة والقانون.

 

الدكتور علي البغدادي:

تدويل الدستور قضية واقعية ومطلوبة، أما دستورنا العراقي الجديد فلم نشكِّك بأنَّه دستور جيد قياسا بغيره، بل ناقشنا عدم جدواه، إذ أضحى الفشل في تطبيقه أمرا واقعيا، فكيف نستطيع تجاوز متناقضاته، وكيف يمكن أن نطبَّق نظامه الاتحادي، وكيف يمكن التحول إلى الاقتصاد المفتوح أو نظام السوق الحرة...، كلُّ هذه المواد جيدة لكنَّها لا يمكن أن تُطبَّق على أرض الواقع. والمطلوب أن تكون الحريات والحقوق في ضمن النطاق الدولي. أما تفاصيل الحياة اليومية فينبغي أن تنبع من صميم الواقع العراقي.

الدكتور حازم وطن:

الالتزام بالدستور ومعايير بناء الدولة التي يسود فيها القانون لا غير، ويكون فيها المواطن والمسؤول على حدٍّ سواء أمام القانون، ولا يمكن لنا أن نكون كالنعامة وننكر تفشِّي الفساد والإحباط الذي أصابنا، بعد الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها جميع الأحزاب والمكونات السياسية التي كان يجب عليها الالتزام بتوجيهات المرجعية العليا؛ لكي لا نصل إلى ما وصلنا إليه اليومَ.

 

الاستاذ سعيد ياسين موسى:

 نعيش اليومَ أزمة وباء فايروس كورونا المستجد وتداعياته في تهديد الحياة البشرية كافَّة، وبلدنا يعيش أزمة انسانية حقيقية. وقد كان خروجنا، بوصفنا نشطاء مدنيين ومؤسسات مجتمع مدني، لساحات التظاهر؛ لانتزاع الحقوق الدستورية. وكانت بوصلتنا في دعم المطالبة بالحقوق الدستورية سلميا لتحسين واقعنا الحياتي أو المعيشي، وإصلاح النظام السياسي، ابتداءً من تشريع قانون عادل للانتخابات، بمفوضية مستقلة للانتخابات، فضلا عن إشاعة ثقافة النزاهة وترسيخها ومكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والنفوذ السياسي المستحوذ على الأموال العامة، ومن ثمّ المطالبة بسيادة القانون وإنفاذه ابحقِّ من استخدم السلاح والرصاص الحيَّ ضدَّ  المتظاهرين وقمعهم، حتّى بلغ عدد الضحايا أكثر من (800) ثمانمائة شهيد، وأكثر من (25000) خمسة وعشرين ألف جريح، وبينهم عددٌ ليس بالقليل مَن تسبَّبت إصابتهم في إعاقتهم، فضلا عمَّن غُيِّب أو اختُطف...

وقد تجسدت فعاليات المجتمع المدني في الممارسات السلمية والانسانية والفنية والثقافية المختلفة، مع المماطلة والتسويف وعدم الاستجابة لمطالب الجمهور السلمية إلّا في حدود ضيِّقة... إنَّ ما كنَّا نقوم به في أرض الواقع إنَّما هو مستوحىً من توجيهات المرجعية الرشيدة التي كانت ولمَّا تزل سندا لنا في  ترشيد مطالبنا، ودعم المطالب المشروعة للشعب العراقي الكريم، مع علمنا ومعرفتنا بأنَّ هناك اطرافا متعدِّدة، لها اهدافها الخاصَّة في ساحات التظاهر، مع أنَّهم يتظاهرون بحرية التعبير عن الرأي وممارسة الحقوق الدستورية...

وبعد، فالعالم اليوم يمرُّ بأزمة وباء فايروس كورونا المستجد التي لم ينجُ بلدنا العزيز منها، فضلا عمَّا يمرُّ به من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية...، تقتضي تضافر الجهود للتخفيف من آثارها والتغلب عليها.

 

الاستاذ محمد عبد الجبار الشبوط: 

لا يصعب على المراقب أن يلحظ أنَّ "الدولة" العراقية تنزلق بسرعة كبيرة في منخفض الفوضى السياسية. ولا يبعد عن الصواب أن نقول أنَّ بداية هذا الانزلاق الخطير اقترنت بتكليف عادل عبد المهدي بتشكيل مجلس الوزراء بطريقة أثارت شبهة دستورية، وبقائه في المنصب بعد الاستقالة، وهذه أيضا تحمل شبهة دستورية أخرى، ومن ثمَّ إعلانه "الغياب الطوعي"، وهو مصطلح ليس له أيُّ أساس دستوري أو قانوني. ويأتي التكليفان والترشيحات المرافقة لهما...، وكلُّها تحيط بها شُبهٍ دستورية أيضا، بالتزامن مع التظاهرات الاحتجاجية، حتَّى غزوة الفيروس covid-19 ؛ لتتوَّج بالانخفاض الحادِّ في أسعار النفط.

وربما شعر المواطن الاعتيادي بهذه الفوضى الدستورية والسياسية التي لا يبدو أنَّ الطبقة السياسية "على علم بها"!، أو كأنَّها لا تشعر بها!. والدليل أنَّ تصرفات الطبقة السياسية لا توحي بأنَّها تدرك أنَّ البلد يمرُّ بهذه الفوضى، بل يعاني منها، إذ لم نسمع بأيَّة مبادرة من هذه الطبقة لمعالجة هذه الفوضى. ولسنا ندري إن كان لدى الطبقة السياسية رؤية ما للخروج من هذه الأزمات التي تعصف بالبلد، ورحاها تطحن بالمواطنين، وعلى النحو الذي قد يؤدِّي تفتيت الدولة عاجلا أم آجلا...

وهذا يتطلب، في إحدى معالجاته، تعديل الدستور؛ ليكون الخارطة العليا للدولة العراقية، بعد أن ثبت أنَّ الدستور، على ما هو عليه، قاصرٌ عن بناء الدولة الحضارية الحديثة، وينطوي على ثغرات كبيرة أضرَّت كثيرا بالبلد، شعبا ودولةً.

 

الدكتور طالب محمد:

مَن منَّا لا يعرف الأخطاء التي ارتكبت باسم الدولة والقانون والدستور؟، ومَن منَّا ليست له ملاحظات على المسار السياسي للدولة العراقية.

نحتاج إلى أن نناقش الأفكار، وهل نحن بالأساس نفتقر إلى منظومة فكرية أم أنَّ المشكلة ربَّما تكون في منطقة ومكان آخر لم نسلط عليه الضوء. الإجابة عن السؤال هي التي تحدِّد مساري وتوجهاتي؛ بمعنى أنَّ التقويم يجب أن يبدأ من الذات، ومن ثمَّ يتَّجه نحو الآخر.

 

الأستاذ رمضان البدران:

ثبت أنَّ انتفاضة تشرين فضحت خريف الساسة والفكر السياسي التنظيري الذي جثم على العراق لأكثرَ من سبعة عقود؛ ليضع بين أيدينا كلَّ هذا الهشيم المتناقض من الانتماءات. جيلٌ قد يلبِّي مزيدا من الواقعية والموضوعية في متطلبات العراق القادم والجيل القادم الحائر، وهذا أولُّ الغيث. نتمنى لأجيال (عدنان) و (مصطفى) أن يكونوا مثالا جيِّدا لمشروع وطنيٍّ حُرٍّ مستقل، وأن يكون الدستور هو الفيصل والبديل الأسمى عن العرف السياسي الذي تطفَّل على حياة الناس ومقدراتها بلا إذن أو شرعية.

 

الاستنتاجات

1.     برغم الملاحظ التي تُسجَّل على الدستور العراقي إلَّا أنَّ شبه إجماع على أنَّه الوثيقة الوطنية الأسمى التي يجب الالتفاف حولها، وأن تكون نقطة الانطلاق نحو بناء عراق آمن مزدهر...

2.     ثمَّة اتفاق بين النخب العراقية على أنَّ الطبقة السياسية قد تجاوزت على الدستور العراقي، ولم يُعمل به في مواطن كثيرة، بما يحقِّق مصالحها الشخصي أو الحزبية ويضرُّ بالمصالح العليا للشعب العراقي.

3.     إنَّ الاستمرار في عدم الالتزام بالدستور قد يجرُّ البلاد إلى الفوضى والمنزلقات الخطيرة، وبخاصَّة في ظلِّ الأوضاع الحالية التي يشهدها العراق؛ بسبب انتشار وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية، وفي مقدِّمتها انخفاض أسعار النفط.

4.     ولاتزال موضوعات الحركة الاحتجاجية والمطالب المشروعة للمتظاهرين، وتحقيق العدالة والسلم المجتمعي بين أفراد المجتمع العراقي كافَّة، تحظى بعناية النخب الفكرية والثقافية ومتابعتهم لها؛ ابتغاء تحقيقها...