تعبيرا عن مدى الفخر والانتماء للوطن تحتفل كل دولة بيومها الوطني في تأريخ محدد يتم اختياره بحسب دلالته وتعبيره عن العمق التاريخي للدولة، لذا نجد معايير الاحياء تختلف بين دولة واخرى.
وجاء تحديد اليوم الوطني لجمهورية العراق بعد ان جرت عملية التصويت في جلسة مجلس الوزراء على اختيار (الثالث من تشرين الأول يوما وطنيا) بعد ان استقر الرأي فيها على هذا التاريخ من بين جميع الخيارات الأخرى لأنه الوحيد الذي تكتمل فيه كل شروط اليوم الوطني.
واثنى البعض على هذه الخطوة الايجابية وان اختيار التوقيت يمثل نقطة تحول في تاريخ العراق الحديث.
وفي هذا السِياق؛ أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوار R.C.D رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم حول ذلك الموضوع، وقد كان من ضِمن المُتحاورين كُل مِن السادَّة:
1. الدكتور عباس كاظم| مستشار في اتلانتيك كاونسل(Atlantic Council)
2. الاستاذ مزاحم التميمي| عضو مجلس النواب العراقي
3. السيدة الا طالباني| عضو مجلس النواب العراقي
4. الاستاذ ماجد الساعدي | رئيس مجلس الاعمال العراقي في الاردن
5. الدكتور عقيل عباس | استاذ في الجامعة الأمريكية في السليمانية
6. الاستاذ امير الكناني | مستشار رئيس الجمهورية
7. الاستاذ علي المدن | باحث و مؤلف
8. السيد مضر الحلو| باحث وخطيب
9. الدكتور محمد الشمري | عضو المكتب السياسي لتيار الحكمة الوطني
10. الاستاذ مازن الزيدي | كاتِب وإعلامي
11. الاستاذ رافع عبد الجبار القبطان | عضو الهيأة السياسية لكتلة سائرون

 وتضمَّن الحِوار الذي دارَ بينهُم ما يأتي: -

"الحدث الوطني الاول من نوعه منذ 17 عاما"

الدكتور عباس كاظم:  بعد حوارات مكثفة مع زعماء سياسيين وأعضاء في البرلمان العراقي ولجان من مجلس الوزراء  ولقاءات مطولة مع باحثين ومؤرخين ومفكرين عبر مؤتمرات إلكترونية متعددة دعا إليها وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور حسن ناظم لاعتماد يوم وطني لجمهورية العراق جرت عملية التصويت في جلسة مجلس الوزراء على اختيار (الثالث من تشرين الأول يوما وطنيا).

وكانت الوزارة استهلت حملتها ضمن برنامجها الوزاري في إقرار يوم وطني للبلاد بتنظيم ندوة حوارية استثنائية في الذكرى المئوية لثورة العشرين، شارك فيها نخبة من مثقفي وأكاديمي البلاد، لاستذكار هذا الحدث المفصلي في تاريخ العراق الحديث، ودوره في تأسيس الدولة العراقية، وكان على برنامج الندوة مناقشة اختيار يوم وطني للعراق يحتفل العراقيون بهويتهم كل عام فيه.

لم يتأخر الأمر ونقل وزير الثقافة د. حسن ناظم آراء النخبة التي تحاورت إلى مجلس الوزراء وفاتح عدداً من أعضاء مجلس النواب بالأمر واستمع إلى آرائهم ومقترحاتهم، وكانت الآراء رغم اقتراح العديد من المناسبات لاختيارها قد تمحورت في اغلبها على تاريخ انضمام العراق لعصبة الأمم عام 1932.

وترجع أهمية هذا اليوم، إلى كونه اعترافا رسمياً ودولياً بقيام الدولة العراقية، ليكون من أوائل العرب استقلالا، وتبدأ بعدها مسيرة العراق المستقل الذي كان وسيبقى قوة مركزية فاعلة إقليمياً وعربيا.

وعصبة الأمم هي منظمة دولية تشكلت في الـ28 من نيسان عام 1918، كإحدى نتائج مؤتمر فرساي الذي أعقب الحرب العالمية الأولى، لغرض تأمين السلم والأمن الدوليين وتنمية التعاون الدولي.

 

ويعدها السيد مضر الحلو خطوة ايجابية، وقال: لكني أتساءل في خضم بحثهم عن مشترك يوحدهم الى اي مدى يمكن ان تكون هذه المناسبة مشتركا يوحد العراقيين؟

 

وبين الدكتور عباس كاظم: بأن الرأي استقر على هذا التاريخ من بين جميع الخيارات الأخرى لأنه الوحيد الذي تكتمل فيه كل شروط اليوم الوطني. شخصياً، كان هذا واحداً من خيارين طرحتهما.

الخيار الثاني هو يوم الاستفتاء على دستور ٢٠٠٥ باعتبار أنه حدث نال تصويت أغلبية العراقيين. لكن يوم ٣ تشرين الاول(أكتوبر) هو الأصلح.

 

وقال السيد مضر الحلو: لا نختلف فيما تفضلتم به. انما رمتُ امرا اخر وهو ان مشكلة العراق المزمنة وربما مشكلته الوجودية هي غياب المشتركات بين طوائفه وقومياته واعراقه يا ترى الان الى اي مدى يمكن ان يكون هذا الحدث مشتركا يتمحور حوله العراقيون؟

 

فيما تساءل الاستاذ مزاحم التميمي عن موعد ومكان عقد هذه الندوات ومن حضرها من النواب؟ وكيف تمت الدعوة لها ؟ ومتى جرى الحديث عن ذلك في الاعلام ؟ لم نشهد أي برنامج يخص ذلك ثم أن الأمر لا يخص الحكومة بل لابد من موافقة مجلس النواب. "لن نقبل".

 

اجابه الدكتور عباس كاظم قائلا: من حقك وواجبك الدستوري أن تمارس دورك في التشريع، ولكن لديّ استفسار أرجو أن يتسع له صدرك كما عرفناك: ما معنى قولك "لن نقبل"؟

هل تقصد موقف كتلتك النيابية؟ أم موقفك الشخصي واستخدمت له صيغة الجمع؟ أم لديك معطيات على أن المجلس (أو أغلبيته) لن يوافق؟ كما قلت، التصويت بنعم أو لا هو حقك الدستوري ولن يفسد للودّ قضية.

الذي يفسدها هو استمرار العراق بلا علم ولا نشيد ولا يوم وطني لأن المجلس "لن يقبل" بما يقترح عليه ولا يبادر هو إلى ذلك.

 

من جانبها اثنت السيدة الا طالباني: على تلك الخطوة المهمة واخيرا اتفقنا على يوم وطني اسوة بدول العالم.

 

كما اثنى الاستاذ ماجد الساعدي ايضا على اختيار التوقيت وانه يمثل نقطة تحول في تاريخ العراق الحديث، ونتمنى التصويت على المقترح في مجلس النواب. وان يكون هذا اليوم  نقطة توافق ولقاء تجمع العراقيين حوله.

 

واكدت السيدة الا طالباني على ان المجلس سيحرص على تشريعه بقانون وفق الدستور سنوات و سفاراتنا وبعثاتنا يشكون عدم وجود يوم وطني يحتفلون به اسوة بالدول الاخرى عليه ان الاوان للاتفاق على هذا اليوم.

 

وبيَّن الاستاذ امير الكناني بان السيد رئيس الجمهورية السابق الدكتور فؤاد معصوم كان يُعد هذا التاريخ ٣/ ١٠ / ١٩٣٢ منذ سنوات عيدا وطنيا ويتلقى التهاني بموجبه.

 

وقال الاستاذ علي المدن أنا شخصيا أميل لاختيار تواريخ قديمة !! ليس لحسم النقاش والاختلاف فقط وإنما لتعزيز الذاكرة العراقية بدحض فرية العراق المختلق .. اليوم الوطني ذو العمق التاريخي الحضاري يؤدي هذه المهمة (ويبقى اختيار مناسبة أو عيد قديم يحتفل به العراقيون القدماء قابلا للدراسة من ضمن خيارات كثيرة ...)

 

واشار الدكتور محمد الشمري في مداخلته هناك رأس السنة العراقية (اكيتو) التي تصادف 1/ نيسان، وهناك ثورة العشرين، وجهة نظري أن الأول أكثر عمقاً، على أن تاريخ ٣ / تشرين الأول خيار مهم وعميق تاريخياً، كما أن قطاعات من الشعب العراقي ستربطه بثورة تشرين ايضاً.

 

فيما يرى الاستاذ مازن الزيدي ان تعيين عيد وطني من الامور الخلافية لوجود ملاحظات عديدة بشأنها ومقترح الدكتور حسن وقبول مجلس الوزراء لا يحولها الى واقع خصوصا ان هذه المناسبة لم يحتفل بها ولم يحفل بها طوال التسعة عقود الماضية.

اخشى ان يكون وزيرنا وقع في فخ الانجازات السريعة. عموما هذا المقترح يحتاج التصويت عليه في البرلمان عندما يدرج في قانون العطل الرسمية.

 

ويجد الاستاذ رافع عبد الجبار القبطان ان اختيار اليوم كان موفقا لا جدال عليه ولابد من حسمه. باستثناء التنويه في المقطع الاخير بالاشارة الى تأسيس عصبة الأمم في نهاية البيان أجده لا قيمة لذكره، والعارف لا يعرف.

علما ان هناك خطأ تاريخي، حيث ان تأسيس عصبة الأمم كان في 1920، والغريب يشير الى انها نتاج مؤتمر باريس "معاهدة فرساي" لينة 1919، فكيف الوليد يسبق الوالد !؟

ولا اعرف ماذا يقصد من أوائل العرب، والمفروض يكتب من أوائل الدول العربية، مع الاشارة الى ان العراق اول دولة عربية تنال عضوية عصبة الأمم.

 

الدكتور عباس كاظم مؤكدا لا يوجد خطأ، فكرة عصبة الأمم أساسها مقترح الرئيس الأميركي وودرو ولسن (ما عرف بالنقاط الـ ١٤) في مؤتمر فرساي.

ثم كتب ميثاقها في ١٩١٩ من قبل الدول المشاركة بمؤتمر  باريس، ودخل الميثاق في العمل في العاشر من كانون الثاني سنة ١٩٢٠.

اللطيف هو أن الرئيس ولسون، صاحب الفكرة، لم يستطع إقناع الكونغرس الأميركي بالمصادقة على الميثاق ولم تنضم الولايات المتحدة إلى عصبة الأمم.

 

وتطرق الاستاذ مزاحم التميمي الى ما ورد في بيان وزارة الثقافة إن اختيار هذا التاريخ جرى بعد أن ( فاتح عددا من أعضاء مجلس النواب بالأمر واستمع الى آرائهم ومقترحاتهم ...) لم يذكر أحد من النواب أن أمرا كهذا قد حصل وفي العادة يجري ذلك من خلال الحديث في المجاميع الخاصة بالنواب فلم نسمع ولم نقرأ أن أحدا من النواب قد تحدث عن ذلك ، ما المانع لو أن وزارة الثقافة طرحت ذلك على العلن واستمعت الى مختلف الآراء وتمعنت في ما يراه  عموم الناس في مناسبة يُفترض أنها لعموم المواطنين وليس لنخبة أو لمجموعة وليس هناك من حجة دامغة في ضرورة أن يكون هذا اليوم يوما وطنيا فكيف يكون انتماء دولة الى منظمة دولية عيدا وطنيا ولو لم يكن العراق دولة لما استطاع الدخول في هذه المنظمة. العراق صار دولة بنظام حكم ملكي بعد تتويج الملك فيصل الأول عام 1921 بعد ثورة ضد المحتل عمت البلاد كلها ثم اكتملت مؤسسات الدولة بعد اقرار الدستور عام 1925 ودخلت بريطانيا في اتفاقيات ومعاهدات مع العراق كدولة ولو قرأنا هذه الاتفاقيات لوجدنا أن الطرف العراقي كان دولة بمعناها المعترف به عالميا أما سيطرة بريطانيا وهيمنتها فقد استمرت وتواصلت حتى تموز عام 1958 ولم تنهَ بدخول العراق في العصبة واذا لم يحصل الاتفاق على تاريخ تتويج الملك فيصل فليس أقلَّه اعتبار تاريخ اقرار  أول دستور في البلاد أو أول يوم انعقد فيه مجلس النواب على وفق ذلك الدستور. لا أدري كيف يمكن اعتبار دخول العراق لعصبة الأمم استقلالا؟ وفي كل الأحوال هناك وجهات نظر مختلفة ولكلٍّ مبرراتُه فكان على وزارة الثقافة أو الحكومة عدم الاستعجال وطرح الموضوع للنقاش الحر بدلا من الاقتصار على رأي جماعة خاصة مع جُلِّ الاحترام لهذه الجماعة ولموقفها. نريد يوما يشعر كل عراقي أزاءه أنه يومه الوطني. أما استفسارك دكتور عباس فأعتذر إن كانت كلمة (لن نقبل ) قد استفزتك وما قصدته أن هناك من النواب من يرى ما أرى أًو أن له وجهة نظر مخالفة ولكنها لا تتطابق مع رؤية وزارة الثقافة. أنا في مجلس النواب حر فلستُ متقيدا بكتلة ولا مجموعة وقد يوافقني بعض الزملاء وقد يختلفون ولكنني سأسعى لخلق جبهة رافضة لإقرار هذا التاريخ فلعلي أفلح في ذلك ولعلي أبقى وحدي رافضا. كلمة ( لن نقبل ) تعني رأيي ورأي من يوافقني. وسؤالي أخي دكتور عباس هل يمكن أن تذكر لي دولة من دول العالم اعتبرت تاريخ انضمامها الى منظمة دولية يوما وطنيا؟

 

وقال الدكتور عقيل عباس ان اعضاء المجلس سيناقشون هذا الامر عندما يحال لهم مشروع القرار. لكني في الحقيقة مندهش لفهم البعض لمعنى يوم الثالث من اكتوبر ١٩٣٢. بالتأكيد هو اكبر بكثير من دخول منظمة دولية والاعتراف بالعراق كدولة مستقلة (وهذه لوحدها كبيرة).

اتمنى ان تقرأ النضالات الصعبة التي خاضها العراقيون على اختلافاتهم السياسية والعرقية والدينية والجغرافية للوصول الى هذا اليوم. وهذه النضالات بدأت بثورة العشرين عبر رفضها للحكم البريطاني المباشر  والانتداب معا، من اجل عراق مستقل.

واصل العراقيون اكمال تحقيق هذا الهدف وقدموا تنازلات واختلفوا مع بعضهم الاخر حد التخوين (انتحار محسن السعدون هو فصل في هذا النضال)، لكنهم اتفقوا، المعارضة والسلطة، على انهاء الانتداب البريطاني. البعض كان يدعو الى مواجهة مباشرة وحتى مسلحة مع البريطانيين والبعض الاخر كان يدعو الى وسائل سلمية. في المحصلة تحقق الهدف. فعلا ادعوك الى قراءة تأريخ العراق بتمعن في العشرينات، وعلى الاخص منذ عام ١٩٢٥ فصعودا. انهاء الانتداب كان اجماعا عراقيا شعبيا وسياسيا والهدف الاساسي للسلطة والمعارضة على السواء. هي صفحة من كفاح العراقيين تستحق الفخر بها، ولسوء الحظ لا نعرف عنها كثيرا بحيث نختزلها ونطلق عليها انها مجرد دخول في منظمة دولية. اختيار وزارة الثقافة ممتاز ويدل على وعي عال وفهم جيد جدا لتأريخ البلد.. اخيرا، في كل التاريخ الملكي العرافي  لم يفرح العراقيون وينزلوا في الشوارع مثل يوم ٣ اكتوبر ١٩٣٢ والايام التالية بعده. ارجو فعلا ان تقرأ القصة الكاملة للوصول الى هذا اليوم المهم، يوم لا عنف فيه ولا صراع، بل اتحاد عراقي واعلاء نادر لمعنى الوثوق في الدولة والاصطفاف معها ووراءها من اجل تحقيق هدف يتوحد حوله الجميع..

 

الاستناجات

1- هناك شبه اجماع نخبوي على اختيار مقترح وزير الثقافة  باختيار يوم الثالث من تشرين الأول عيدا وطنيا للعراق.

2- اختيار يوم الثالث من تشرين الأول يحقق هدف الابتعاد عن أي  عنوان قومي او طائفي كونه يوما لا يرتبط بمناسبة دينية او قومية وانما هو مناسبة سياسية بامتياز انضم فيه العراق الى عصبة الأمم واصبح دولة مستلقة وهو ما يمكن ان يكون خطوة نحو الاجماع الوطني.

3- عدم وجود يوم وطني بعد سبعة عشر عام من التغيير يعكس حالة من التشظي السياسي والمجتمعي في العراق، وفي هذا السياق تطغى المناسبات الدينية او القومية الخاصة على اليوم الوطني او ضرورة الاحتفال به.

4- ضرورة البحث التاريخي عن مناسبات وطنية عامة جامعة لا تختص بطائفة او قومية معينة مثل ما هو يوم الثالث من تشرين الأول لتعزيز الوحدة الوطنية في العراق.

قراءه / تحميل