قانون الأحوال الشخصية العراقي في نقطة حِوار بين أعضاء مركز الرافدين للحوار-RCD
يُعد قانون الاحوال الشخصية من القوانين المهمة، ويعالج قضايا حيوية منها تنظيم العلاقات ما بين الافراد من حيث الحقوق والواجبات المترتبة على عقد الزواج وفقا لقوانين واحكام وضعت من اجل تحقيق العدالة.
ان اغلب البلدان المتحضرة اليوم لديها قوانين ترعى فيها تلك العلاقات، وان ديننا الاسلامي دين يُسر لا عُسر فهو سهل في تشريعاته وأحكامه، ونظرا لما قُدم من انتقادات لقانون الأحوال الشخصية العراقي، فقد اكد البعض ضرورة العمل على تصحيح القانون واعطاء الحرية لكل مواطن في اختيار نمط الاحوال الشخصية بدون أي تمييز وتفضيل لطائفة ما، وان الهدف من مشروع القانون هو حماية الاسرة ومنع تفككها ووقف العنف عبر النصوص والاجراءات القانونية.
وفي هذا السِياق؛ أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوار R.C.D رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم حول ذلك الموضوع، وقد كان من ضِمن المُتحاورين كُل مِن السادَّة:
1. السيد عز الدين الحكيم| أستاذ الحوزة العلمية في النجف الاشرف
2. الدكتور عباس كاظم| مستشار في اتلانتيك كاونسل(Atlantic Council)
3. الاستاذ بليغ ابو كلل| عضو المكتب السياسي لتيار الحكمة الوطني
4. الاستاذ رافع عبد الجبار القبطان| عضو الهيأة السياسية لكتلة سائرون
5. الشيخ الدكتور ابراهيم النصيراوي| خطيب وكاتب ومؤلف
6. الشيخ محمود الجياشي| استاذ في الحوزة العلمية وكاتب ومؤلف
7. الاستاذ علي المدن| باحث و مؤلف
8. الاستاذ زيد النجار| استاذ اكاديمي
9. الاستاذ باسم العوادي| كاتب وصحفي
10. الاستاذ هاشم الشديدي| مستشار وزير الكهرباء
وتضمَّن الحِوار الذي دارَ بينهُم ما يأتي: -
المداخلة الاولى للدكتور عباس كاظم تساءل فيها: لماذا لم يكتب العلماء المسلمون الأعلام قانوناً للأحوال الشخصية بديلاً لقانون عبد الكريم قاسم ويقدموه ليقارن الناس بينه وبين قانون عبد الكريم قاسم؟ الدولة تتعامل مع نص واحد جامع مانع يستخدم كمسطرة للجميع كقانون مدني.
فتاوى الأحوال الشخصية في الإسلام فوضى تتوزع في عشرات المطالب الفقهية وتنتظم تحت خمسة مذاهب (في أقل تقدير) تختلف مع بعضها في التفاصيل، وفي كل مذهب اختلافات بين علماء المذهب أيضاً.
هل توجد نسخة مكتوبة لقانون الأحوال الشخصية "الإسلامي" يتفق عليها مسلمو العراق، لا أقول مليار ونصف المليار مسلم حول العالم؟
كل ما قُدم من انتقادات لقانون الأحوال الشخصية العراقي لسنة ١٩٥٩ لم يقدم بديلاً عملياً تستطيع الدولة تبنيه من دون الوقوع في مطبات سياسية واجتماعية ومن دون وقوع حيف على فئة أو فئات من الشعب. علماؤنا الأعلام لديهم عبارة جميلة تقول "ثبّتْ العرشَ ثم انقش".
ليثبتوا نظاماً قانونياً واحداً يتفق عليه المسلمون، ثم بعد ذلك يطالبوا بجعله قانوناً تسير عليه الدولة.
تجربة المسلمين في تطبيق ما سمي بالقانون الإسلامي هي غالباً فرض فتاوى مذهب واحد (مذهب الحاكم) بالسيف على الجميع بغضّ النظر عن تعدد مذاهبهم.
حتى بعض التجارب في تعدد المحاكم المذهبية في بعض الدول المسلمة، تركت إشكالات ٍ وفساداً في التطبيق لا تخفى آثارها على كل من درس نظام تعدد المحاكم بتجرد وموضوعية، ولعل إشكالات الخلافات في الزواج بين أتباع مذهبين مختلفين أوضحها.
واما في المداخلة الثانية فقد بين السيد عز الدين الحكيم: ان ما هو مذكور في الدستور اليوم وما كان يطالب به العلماء في موضوع قانون الاحوال الشخصية هو مبدأ اعطاء الحرية للمواطن في اختيار نظام الاحوال الشخصية الذي ينطبق عليه فيحق للشخص ان يختار القانون المدني ان شاء او ان يختار مذهبا او دينا خاصا به، هذا المبدأ اليوم ترفضه القوى المدنية او العلمانية او المنظمات المدعومة من الخارج او الداخل فهي تطالب بالحرية في كل شيء الا في الاحوال الشخصية اذا ثبت هذا المبدأ فتقديم قانون وفق هذا المبدأ غير عسيرة. ولو كانت الاقليات الدينية الموجودة في العراق هي التي تطالب بهذا الحق لرأيت الاعلام يتباكى والدموع والاحزان ولكن عندما يطالب به المسلمون تختلف الامور.
واشار الدكتور عباس كاظم تعقيبا على ما ذكر السيد عز الدين الحكيم الى ان كلمة الحرية جميلة لكن قانون الأحوال الشخصية يتعلق بالقاصرين والأيتام والنساء في مجتمع لا يرى لهؤلاء حرية ولا حقوقاً. الذي سيحدث هو إعطاء الحرية لأب أو أخ متعجرف أو زوج لا فرق بينه وبين البهيمة لأن يطبق التفسير الذي يلائم مزاجه على النساء والأطفال، فيسلب حرياتهم.
الدولة مسؤولة أخلاقياً عن حماية هؤلاء وضمان حرياتهم. المشكلة ليست مع الله أو الدين. المشكلة مع تفسيرات لكلام الله والدين تخلو من الرحمة، ومع نظام مجتمعي يتخذ من الدين مطية لقهر الضعفاء. عموماً، هذا نقاش نظري. لكن حين يكتب المطالبون بقانون "إسلامي" نصّ هذا القانون نستطيع ان نقرأه ونناقشه، فإذا كان أفضل من القانون الحالي فبها، ولهم الشكر والمحبة، وإن أعادونا إلى تزويج الطفلة المسكينة قبل إكمال الصف الثالث الابتدائي، وإجبار المرأة على انتظار زوجها الغائب لسنوات واحكام أخرى منسوبة زوراً وبهتاناً إلى الله والرسول، فنحمد الله حينها على الدولة المدنية ونترحم على روح "الزعيم" لأن قانونه أقرب إلى عدالة السماء مما اقتُرح في السابق باسم الدين. يجب أن يكون للدولة حق تقنين الولاية. لا أحد يطالب بسلبها.
وفي مداخلة له تطرق الاستاذ رافع عبد الجبار القبطان قائلا: بحسب قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ ان العمر القانوني للزواج هو ١٨ سنة للطرفين، ويمكن للقاضي ان يسمح بالزواج لمن بلغ ١٥ سنة اذا اقتضت الضرورة مع الكمال البدني.
المادة السابعة:
1 -يشترط في تمام أهلية الزواج العقل وإكمال الثامنة عشرة.
2 -للقاضي أن يأذن بزواج أحد الزوجين المريض عقلياً إذا ثبت بتقرير على أن زواجه لا يضر بالمجتمع وأنه في مصلحته الشخصية إذا قبل الزوج الآخر بالزواج قبولاً صريحاً.
المادة الثامنة:
1 -إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج، فللقاضي أن يأذن به، إذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية، بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج.
2 -للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك ويشترط لإعطاء الإذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية.
السيد عز الدين الحكيم هذا يعني ان القانون يعطي صلاحية التقدير للمحكمة اي ولاية بدل ولاية الاب او مزاحمة لها.
فيما تساءل الدكتور عباس كاظم عن رأي الفقهاء في الحد الأدنى لسن الزواج (العقد) وفي الحد الأدنى لسن البناء بالزوجة؟ الجواب بأرقام أو عبارة "لا أعلم". وكلاهما جواب مقبول عندي.
بيَّن الاستاذ رافع عبد الجبار القبطان: في عمر ال ١٥ سنة حتى مع رغبة الاهل بزواج ممن بلغ ١٥، يبقى القرار الاخير لتقدير القاضي.
وتساءل السيد عز الدين الحكيم هل القاضي مؤهل لإدارة شؤون الاسرة من يسأل ومن يجيب. لا يجوز البناء والدخول الا اذا كانت البنت مؤهلة لذلك وليس فيه ضرر عليها هذا هو المذكور في الفقه.
اوضح الاستاذ رافع عبد الجبار القبطان: بان القانون اعطى القاضي السلطة التقديرية بتقدير أهلية الزواج، وهذا ليس له علاقة بإدارة شؤون الاسرة. واضح من المادة ٨ هو البلوغ الشرعي والقدرة البدنية.
وقال السيد عز الدين الحكيم ان القاضي الذي لا يستطيع ان يخرج عن نطاق دولة تعمل بقانون جرى صياغته بين صدام حسين ومنال يونس منذ اكثر من ثلاثين سنة في منح حق الحضانة للام على الاطفال حتى لو تزوجت والى عمر ١٨ سنة ويحرم الاب حتى من رؤيتهم بشكل طبيعي ويلزمه بدفع النفقة حتى ولو كانوا تحت رعاية زوج امهم في المادة ٥٧ المعروفة اليوم كيف يصح اعطاؤه حق تقرير مصير الاسرة.
وقال الدكتور عباس كاظم: والتجاوزات ليست في الفقه الشيعي وحده. هل هذه تفسيرات تصلح لأن تتبناها دولة في القرن الحادي والعشرين؟!
وقد بين الشيخ ابراهيم النصيراوي: بانه يجوز شرعا العقد على البنت ولو كان عمرها سنة، ولكن الدخول لا يجوز الا بعد بلوغها (اي اكمال تسع سنوات).
وقال الشيخ محمود الجياشي: في مداخلته اعتقد الى حدّ ما أن المشكلة ليست في صحة ذلك فقهياً أو عدم صحته.. فإن التخريج والتبرير الفقهي موجود على أي حال، بل هناك مشكلة وجدانية ولعلها أخلاقية وهي : مَن يقبل منّا في هذا الزمن بزواج بنته ذات التسع سنين والدخول بها مع سائر الاستمتاعات التي ترافق ذلك ؟!
ويقول الاستاذ علي المدن: ان السماح بتزويج طفلة بعمر التاسعة هو فعل غير اخلاقي .. ومثله امور اخرى فقهية كثيرة في مجالا الاحوال الشخصية. الصحيح فقهيا انه لا يوجد شيء اسمه قوانين اسرة بل نظام نكاح ! وهذا يمثل معاوضة .. مبلغ إزاء متعة!!! يتم بصيغة تعاقدية مباركة باسم الله (وهذه قصة طويلة كيف تم تحويل التعاقدات البشرية الى تعاقدات باسم الله او "دينة" اي تحويل ما هو دنيوي الى ديني!!)
واكد الشيخ ابراهيم النصيراوي: ان هذه ليست معضلة الشريعة تقول كقانون يجوز ولا تلزم بالزواج فمن ارادت ان تمتنع لها الحق.
وتطرق الاستاذ زيد النجار في مداخلته قائلا: هل المشاكل الأسرية والاجتماعية مقتصرة على عمر الزواج؟ واقع حال المجتمع الآن أن هذه ليست مشكلة حقيقية إلا في أضيق نطاق، إلى درجة لا يعتد بها.
فيما ذكر الاستاذ علي المدن في مداخلته: 1- أزمة قوننة التشريعات داخل الدولة عرفها الشيعة أول الأمر ضمن قصة المشروطة. الدستور المعترض عليه كانت فيه زاويتان؛ اجتماعية تتمثل بقانون الأحوال الشخصية، وسياسية تتمثل بتقييد الحاكم بمجلس نيابي تشريعي. وأساس المخاوف هو منافسة البرلمان للفقهاء في دورهم الاجتهادي في رسم الاحكام الشرعية واكتشافها والحد من نفوذهم في موازين القوى المؤثرة.
2- من المهم العودة إلى بعض التواريخ الإيرانية في المسألة. ما يسمى ب(قانون مدني) الإيراني مكون من ثلاث مجلدات(1- القضايا المالية. 2- القضايا الشخصية. 3- أدلة إثبات الدعاوى). وفِي المجلد الثاني (القضايا الشخصية) تطرق القانون إلى مجمل قضايا الأحوال الشخصية من الجنسية والقرابة والنكاح والطلاق والمواليد والأسرة والحجر والقيمومة وغيرها. صدر الأمر بتدوين (قانون مدني) في 1927، واكتمل المجلد الأول عام 1928. أما المجلدان الثاني والثالث فشرعوا فيهما عام 1934 واكتملا عام 1935. وإثر اهتمام المحيط الإقليمي لإيران بموضوع تطوير المجتمع وتحديث قوانينه وجهت الحكومة الإيرانية عنايتها نحو قانون الأحوال المدنية وبدأت بتحديثه وتطويره منذ عام 1967. فصدر أولا قانون (حمايت خانواده = حماية الأسرة) عام 1967م (1346 هجري شمسي)، ثم عُدّل عام 1975م (1353 ه ش)، ثم ألغي عام 1979م (1358 ه ش) ثم أعيد عام 2002م (1381 ه ش)، ثم عدل 2013م (1391 ه ش). وهذا الأخير هو الجاري العمل به حاليا.
3- قلنا في مداخلة سابقة إنه إذا كان نقاش المشروطة هو نافذة دخول شيعة إيران إلى العالم الحديث، فإن أزمة قانون الأحوال الشخصية، وبعد نفاد وقت أزمة المشروطة وصيرورتها أمرا مسلّم القبول، نافذة دخول شيعة العراق إلى هذا العالم. ولأن العراق كان سباقا بعقد كاملٍ تقريبا على إيران في مسألة تحديث نظام الأحوال الشخصية فقد جرت على أرضه، كما هو الحال في المشروطة، بواكير المواجهة مع هذا التحديث ومقاومته.
4- لم تصدر عن المعترضين على قانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم ب 188 لائحة بديلة بالقوانين، ولا تعديلا لفقرة محددة أو نقاشا في مسألة خاصة، ناهيكم أن يفتحوا حوارا منهجيا حول آليات بناء الموضوع؛ لأن الاعتراض الاساسي كان على أصل دمج الناس في الدولة ومحاكمها. لقد كان الفكر السياسي آنذاك عاجزا عن انتاج مصالحة تاريخية بين الطائفة والدولة، فغذّى هذا العجز مخاوف رجال الدين بأن سن القانون الجديد سيكون بمثابة عزل للمجتمع عن المؤسسة الدينية وحداً من دورها داخله. يحاول البعض اليوم ربط مسألة تعدد قوانين الأحوال الشخصية في الدولة الواحدة بالحرية، بدعوى أن الناس أحرار في اختيار ما يناسبهم ويتوافق مع معتقداتهم، ولكن هذا الحجاج يغفل حقيقة أن هذه القوانين ستساعد بشكل لا مفر منه في تفتيت الهوية الوطنية الواحدة وتقسّم المواطنين على أساس خلفياتهم الدينية، وتنزع عن السلطة الرسمية مرجعيتها في فض النزاعات والخلافات، لأن هناك دائما ذريعة جاهزة لتقليم مخالب الدولة بالقول إن هذا رأي مذهبي خاص.
وتطرق الاستاذ باسم العوادي في مداخلته قائلا: في الستين سنة الاخيرة ومنذ تأسيس الأمم المتحدة والتطور العلمي والتكنلوجي والترابط والتشابك الأممي برز اجماع عقلائي جديد اسميه ( بالاجماع الانساني العالمي العقلائي) بالخصوص في المسائل والقوانين الاجتماعية العقلائية ، اعتقد انه حان الوقت لتلحظ الفتوى ذلك البعد الانساني العالمي العقلائي.
وعندما يحدد الاجماع الانساني العالمي العقلائي عمر 18 وفقا للدراسة والبحث والطب والتعليم والحقوق ويُعدّ هذا العمر هو وقت البلوغ للشاب والشابة ليقرر كلا منهم مصيره ، فمن المناسب للفقيه ان يراعي هذا الاجماع ويضعه نصب عينه قبل الافتاء.
فالإسلام ليس جزيرة نائية بعيدة عن الاجماعات البشرية العقلائية بل هو بحسب المفروض ـ احد اهم ركائز الدعوة لهذه الاجماعات العقلائية الانسانية الجامعة والتي لا تتقاطع مع ثوابت الاسلام الحنيف. واكرر مرة ثانية ان هذا الاجماع الانساني يجب ان لا يتقاطع مع ثوابت الاسلام لكي نخرج مثلا الحديث بصورة الاجماع عن حقوق ما يسمى بالمثليين.
وقال السيد عز الدين الحكيم ما المشكلة في ان نعمل على تصحيح قانون العقوبات وقانون الاحوال الشخصية لكن السؤال الاهم لماذا بعض الطوائف تتشنج من طرح قانون الاحوال الشخصية للمناقشة مع ان المطلب المطروح هو اعطاء الحرية لكل مواطن في اختيار نمط الاحوال الشخصية وليس فيه تمييز ولا تفضيل لطائفة على اخرى
الاستاذ علي المدن: قانون الاحوال فيه تمييز وتفضيل بل وتحريم!!! والحرية في اختيار قوانين الأحوال عنوان اخر للفوضى وانتصار لفكرة المكونات الطائفية على حساب الهوية الوطنية وقانون الدولة الموحد .
السؤال هو: إلى ماذا يشير عجز العقل الفقهي المذهبي في بناء القانون التشريعي الموحد للدولة؟ وما هي الأسس الفكرية التي تحول دون ذلك ؟!
الاستاذ بليغ ابو كلل: واعجباه! تباين المحاكم الوضعية في دولة واحدة وباختلافات واضحة وتقديرات قضائية، مقبول وممدوح! واختلاف الفقهاء في ذلك مرفوض ومذموم!
نطالب الفقهاء باتفاق على رؤية واحدة (وهو يناقض التفكير العلمي الحر)، ونصفق لاختلاف فقهاء القضاء والمدنية! أي قسمة ضيزى؟! في بلد واحد متعدد الأقاليم أو الولايات فيها آراء متعددة في موضوع الضرائب -مثلًا- يُسمح به ويعد تطورًا ونضوجًا وفسحة من الحرية! وتعدد الرؤية وحرية اختيار قانون الأحوال الشخصية للمكلف يعد فوضى عارمة! عجيب أمور غريب قضية!
ويرى الاستاذ رافع عبد الجبار القبطان: ان فلسفة التشريع بالعراق اليوم مفقودة، وبات ينظر لها من باب بعد سياسي اكثر من حاجة مجتمعية، ووصل الحال ان يقع ضمن نظرية المحاصصة وضمن المبدأ الذي اعتمد ما بعد 2003 وهو مبدأ السلة الواحدة وهذا اخطر ما يمر به العراق اليوم، وما سيتركه من آثار سلبية مستقبلية صعب تدارك تداعياتها.
وقال الاستاذ بليغ ابو كلل: يُتهم الفقهاء (والإمامية بشكل خاص) ظلمًا بأنهم يريدون الهيمنة على الناس من خلال قانون الأحوال المدنية! فلماذا لا يكون العكس! فأصالة القانون الشخصي (الزواج والإرث وما شاكلهما) في وجود الإنسان المسلم نابع من انتمائه العقائدي، ثم جاء مناهضو الدين فانتزعوا هذا الأصل لصالح قوانينهم الوضعية! فقلبوا الحقائق الواضحة، وهو أنهم (القضاة العلمانيون أو المدنيون، المنظرون المدنيون أو العلمانيون) سلبوا ما هو أصل لكل مسلم في شريعته ليتسلطوا هم على الإنسان بفرض أفكارهم بنحو متأخرٍ جدًا بداعي الحداثة والمدنية! والحقيقة أن الفقهاء المسلمين (والإمامية بوجه خاص) هم أكثر نضوجًا منهم وانفتاحًا عندما جعلوا الالتزام بهذه الأمور (الشخصية) خيارًا للمكلف من دون قهره والتسلط عليه ولم يخرجوا من يختار القانون الوضعي من ربقة الإسلام لأنه خالف بعض ثوابت الإسلام كموضوع (للذكر مثل حظ الأنثيين)! بينما كان (القضاة ومنظروهم المدنيون والعلمانيون) متحجرين بقسر الإنسان على القبول بأمر واحد دون فسح المجال له باختيار ما يشاء في أمر يخصه هو أولًا وبالذات! الأمر في الحقيقة معكوس ومن يتهم الفقهاء بالتلسط إنما هو من أراد ذلك وعليه أن يدفع الشبهة عن نفسه.
وقال الاستاذ هاشم الشديدي: ان الله سبحانه وتعالى ارسل الرسل والانبياء وانزل الكتب السماوية كل ذلك واكثر لتنظيم الافعال وتنظيم العلاقة بين افراد الاسرة فيما بينهم وعلاقة الاسرة مع الاخرين كأفراد او اسر وتنظيم علاقة الفرد مع الله وانزل سبحانه وتعالى الانظمة الشرعية المنظمة لذلك
كل هذا الاهتمام من البارئ جل وعلا بالأسرة كونها تمثل اللبنة الصغيرة في المجتمع وبناءها معناه بناء المجتمع والامة والعكس صحيح لذا فأن تمرير قوانين تخص الاسرة والافراد يعد من اهم مقومات النهوض بذلك المجتمع او العكس بالانحدار والانحلال لا سامح الله فالدراسة العميقة والتمحيص لذوي الاختصاص واجبة وليست مستحبة والاستماع لجميع الآراء للمختصين ولذوي الخبرة ومحاولة معالجتها وادراجها من اهم المسؤوليات الوطنية والشرعية، وهنا نقصد جميع التشريعات لقوانين تخص الاسرة العراقية.
الاستنتاجات:
1-لايزال قانون الأحوال الشخصية موضع خلاف حاد بين القوى المدنية والقوى الدينية، ويبدو ان لهذا الخلاف جذور تاريخية لم يتم تجاوزها للوقت الحاضر.
2- يحتاج العراق الى قانون للأحوال الشخصية يراعي فيه مختلف الجوانب التي تتعلق بهذا الموضوع المهم الذي يبني نواة المجتمع.
3- في بلد متعدد المذاهب والاتجاهات الاجتماعية مثل العراق، فان قانون الأحوال الشخصية لابد ان يراعي مثل هكذا واقع اجتماعي وديني.
4-لابد ان يناسب قانون الأحوال الشخصية التطور الاجتماعي الموجود على المستوى العالمي، وان يلاحظ أي قانون طبيعة الحياة ومتطلباتها خصوصا في مسائل بناء الاسرة مثل الزواج والحضانة وغيرها.