بعد تصويت البرلمان العراقي على "قانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية" المقدم من اللجنة القانونية ولجنة التعليم والعالي والبحث العلمي، ‏من أجل تعزيز مركز التعليم، كونه عامل اساس لتقدم المجتمع وتشجيعا للبحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الانسانية ولرعاية المتفوقين والمبدعين والمبتكرين والحث على الحصول على الشهادات العليا مع الحفاظ على الرصانة العلمية وتبسيط اجراءات معادلة وتقييم الشهادات والدرجات العلمية واعتماد المعايير الموضوعية وكفالة حق الاعتراض والتظلم على قرارات التقييم والمعادلة.
يرى البعض بان هذا التشريع هو بمثابة طلقة تقضي على العملية التعليمية، مؤكدين على ضرورة الوقوف من قبل جميع المهتمين امام هذا التشريع الذي يمس بأهم مفصل من مفاصل العملية التعليمية.
وفي هذا السِياق؛ أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوار R.C.D رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم حول ذلك الموضوع، وقد كان من ضِمن المُتحاورين كُل مِن السادَّة:

1. الاستاذ زيد النجار | استاذ اكاديمي
2. الدكتور عباس كاظم | مستشار في اتلانتيك كاونسل(Atlantic Council)
3. الاستاذ مهدي بحر العلوم | باحث واكاديمي
4. الدكتور عبد الهادي الحكيم | عضو مجلس النواب العراقي السابق
5. الاستاذ حسن توران | عضو مجلس النواب العراقي السابق
6. الدكتور حسن لطيف الزبيدي | مدير مركز الرافدين للحوار RCD

وتضمَّن الحِوار الذي دارَ بينهُم ما يأتي: -

الوضع المأساوي للتعليم العالي ولوزارة التعليم العالي لا جدال فيه، وموضوع معادلة الشهادات فيه غبن وسوء إدارة وإجراءات متخلفة منفرة، حول ذلك قال الاستاذ زيد النجار في مداخلته: لقد دفعني هذا الوضع المأساوي إلى ترك التعليم العالي بعد أن قضيت فيه أكثر من 10 سنوات. لكن الكلام الآن في أن الوضع المأساوي الحالي سيتضاعف مع فوضى الشهادات التي ستحصل في البلد. إن كان هنالك بريق من الأمل في استعادة الرصانة العلمية للجامعات العراقية، فإن هذا القانون سيقضي عليها بالضربة القاضية المميتة.

 

واما المداخلة الثانية للدكتور عباس كاظم والتي اوضح فيها بان الوزارة هي جهة تنفيذية. وظيفتها تنفيذ القوانين التي يشرعها مجلس النواب المنتخب لهذا الغرض (التشريع). ليس لها أن تتحفظ. يمكنها أن تطلب من مجلس النواب تعديل القوانين والأمر متروك لمجلس النواب، يعدل أو لا يعدل.

تعليمات معادلة الشهادات في العراق مهزلة تثير البكاء لا الضحك.

 

تلتها مداخلة الاستاذ مهدي بحر العلوم اوضح فيها، وما شأن مجلس النواب حتى يتدخل بتعليمات تنفيذية لوزارة التعليم بشأن تعادل الشهادات؟ نعم الية معادلة الشهادات الاجنبية عملية بائسة للغاية وتسبب فرار الثروات العلمية ولكن حل هذه المعضلة يأتي من خلال الضغط على مفاصل الجهة التنفيذية كرئيس الوزراء و وزير التعليم والمدراء العامين في الوزارة لتصحيح الاجراءات المتبعة وتخفيف البيروقراطية القاتلة المهيمنة على الية التعادل لا يمكننا الدفاع عن هفوات مجلس النواب. الجهة التنفيذية القائمة اليوم هي جهة ضعيفة لا يمكنها الدفاع عن مساحاتها ولكن لنتذكر ما هي تداعيات الجهات (التنفيذية/التشريعية) على بعضها البعض.

عانى العراق بما فيه الكفاية من خطط الدمج في المناصب الامنية و غيرها من المجالات وكلنا عايشنا تداعيات الامر ومجال التعليم العالي بدوره تأثر كثيرا بالخطط العامة للدولة اضافة الى الارث المتراكم السابق الذي ورثناه من النظام السابق وهذا التشريع سيكون طلقة جديدة نطلقها على العملية التعليمية. على المهتمين ان يقفوا امام هذا التشريع الضعيف والذي يمس مفصل في غاية الاهمية من مفاصل العملية التعليمية.

 

من جانبه اكد الدكتور عبد الهادي قائلا، سبق وان بذلت الكثير من الجهد عندما كنت في نائبا لرئيس لجنة التعليم العالي في الدورة الثانية لمجلس النواب من اجل تغيير نظام اسس معادلة الشهادات الساري المفعول الان لقدمه ولتجاوز الزمن لشروطه فهو صادر قبل اكثر من اربعة عقود وفي ظرف عقليات النظام البائد . وفيه ما لا يمكن قبوله الان مطلقا، من قبيل عدم الاعتراف بشهادات العراقيين من خريجي كليات المجموعة الطبية الممنوحة لهم من ارصن جامعات العالم من قبيل جامعات او كليات اكسفورد وكمبرج وهارفرد وامثالها تلك التي تتصدر التسلسلات العالمية كأرقى جامعات العالم الا ان يعادل خريجوها شهاداتهم الاعدادية السابقة على الجامعية بشهادات العراق الاعدادية، ثم عليهم بعد ذلك اجراء امتحانات تحريرية وغيرها. ثم تقويم مستوى الشهادة العلمي من لجنة عراقية ثم.. ثم ..الخ. بحيث يشعر حاملو هذه الشهادات والدرجات العلمية اللاحقة لها من الدول المتقدمة بالتوهين والملل لطول مدة المعادلة التي قد تستمر اشهرا.

ويسري هذا القانون حتى على اعلى مستويات الاطباء العراقيين العاملين في مستشفيات امريكا وأوربا وامثالهما سنوات وسنوات وترقيات اثر ترقيات بل حتى على العراقيين من حاملي شهادات الاستاذية او المتخصصين الذين يدرسون طلاب الجامعات في هارفرد واكسفورد وكمبرج وغيرها. واقترحت حينها ان نضع معيارا واحدا مضمونه خريج الجامعة الرصينة، رصين علميا، فقط لا اكثر ولا اقل.

ثم عرفت الجامعات والكليات الرصينة وهي تلك التي وقعت ضمن المائة الاولى من تقويمات الجامعات العالمية السنوي الشهيرة المعروفة التي لا جدال في دقتها عالميا.

وما عداه من الجامعات له اليات اخرى . فلم توافق الوزارة حينها وكررت الطلب بعد تبدل الوزير فرفض ايضا ثم كررته مع الوزير الثالث فرفض تبعا لرفض موظفي الوزارة الروتينيين. "هذا ما كان سابقا" اما الان فقد ارسلت الي من مجلس النواب نسخة من قانونهم الجديد قبل تشريعه فكررت رأيي السابق ووضعته بصيغة مواد قانونية مجددا مع بعض التعديل الجزئي .وارسلته اليهم ووعدوني بالعمل به. غير اني تفاجأت بما صدر . والسبب واضح هو اختلاف الهدفين من تشريعه.

 

الدكتور عباس كاظم يعد قانون معادلة الشهادات فضيحة ومن أجل عيون بعض الفاسدين يجب ألا تمرّ مرور الكرام. ولكن التركيز على القانون وحده هو موقف انتهازي في أحسن الأحوال.

وما دمنا بصدد مراجعة التعليم العالي، فيجب أن نكون منصفين: قد لا يكون البرلمان على خطأ. لأن معنى معادلة الشهادات تعنى أن تكون الشهادة الممنوحة خارج العراق معادلة في قيمتها العلمية لشهادات جامعات العراق.

لنسأل الذين لا يدسّون رؤوسهم في الرمال: ما هي قيمة شهادات العراق اليوم؟ هل جامعات العراق أفضل من الجامعات التي تعترض وزارة التعليم العالي على معادلة شهاداتها؟

لنسأل بالدارجة: ما يستحون وزارة التعليم العالي من "يتمنعون" على شهادة جامعة لوزان السويسرية الذين رفضوا طلب أحد الأكاديميين العراقيين لمعادلتها؟ أكو عاقل، أو نصف مجنون، يعتقد أن شهادة جامعة لوزان لا تعادل شهادة جامعة القادسية؟

 

فيما تساءل الاستاذ حسن توران في مداخلته قائلا، هــل المنظومـة التشريعية الحالية في ظل تغييب متعمد للمحكمة الاتحادية من قبل مجلس النواب متكاملة؟

وقال الا يستوجب تكامل المنظومة التشريعية وجود حق الطعن بأي قانون يشرعه مجلس النواب حسب ما نص عليه الدستور العراقي (المادة 93).

من وكيف سيقف امام قانون هزيل كقانون معادلة الشهادات ، او كيف سيعترض من وجد قانون الانتخابات الأخير بأنه غير منصف ، او أي قانون اخر سيشرعه مجلس النواب مستغلا غياب المحكمة الاتحادية وهي الجهة الوحيدة التي تفصل في هكذا منازعات.

واضاف قائلا ماذا لو استغلت مدة سريان قانون معادلة الشهادات وتمت معادلة الاف الشهادات المزورة او غير المستوفية للشروط الاكاديمية ثم طعن بالقانون مستقبلاً في دورة نيابية قادمة فماذا سيكون مصير الشهادات التي سيتم معادلتها والامتيازات التي منحت بموجبها.

 

       وقال الدكتور حسن لطيف الزبيدي ما من شك أن "قانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية" يعد من القوانين ذات الاثر البالغ في مسيرة النظام التعليمي في العراق، فضلا عن تأثيره في جودة مدخلات سوق العمل والمؤسسات التي يمكن أن يعمل بها الاشخاص الذين ستتم معادلة شهاداتهم، سواء في القطاع العام أم الخاص، لاسيما وأن القانون فتح الباب على مصراعيه لمؤسسات الدولة لمعادلة شهادات موظفيها وان نص على أن "لا يتخذ هذا التعادل اساسا لغرض الدخول الى الجامعات او التدريس فيها" مع وجود فسحة للاستثناء من هذا الشرط.

ومن الجدير بالذكر أن القانون يضع مفردة غامضة لم يتم ايضاحها عند وصفه الجامعات التي تعادل شهاداتها ويصفها بـ "الرصينة" من دون أن يقدم معنى واضحا لهذه الرصانة.

وختاما فاني قد اختلف بشأن القانون الذي تضمن بعض الجوانب الايجابية التي قللت من القيود الخاصة بمعادلة الشهادة، الا ان ما يؤخذ عليه هو التساهل الكبير في هذه الشروط التي قد تتيح خرق اسس مهمة تتلق بالرصانة الا انه يقوض اسس تخطيط قوة العمل.

 

الاستنتاجات:

1- رغم اختلاف وجهات النظر حول قانون معادلة الشهادات الا ان هناك اتفاق على نقطتين جوهرتين، الأولى ان أسس تعادل الشهادات المعمول به حاليا لا يتناسب مع حداثة لتقدم العلمي والثانية ان القانون الجديد ينطوي على فقرات تقدم مصالح معينة على الرصانة العلمية.

2- الهوة بين موقف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وما صدر من مجلس النواب حول قانون أسس تعادل الشهادات يستلزم اجراء نقاش وإدخال تعديلات على القانون المشرع بحيث يحدث توازن بين متطلبات الوزارة ومتطلبات التحديث.

3- إقرار هذا القانون يمكن ان تكون المرة الأولى التي يتم فيها التصويت على قانون يخص جهة قطاعية معينة في العراق من دون ان يكون لتلك الجهة رأي مهم حول القانون وهذه سابقة يجب تداركها حتى تسير الدولة على أسس مؤسساتية رصينة.

4- ضرورة ان يكون هناك تنسيق بين اللجان البرلمانية المختصة والجهات القطاعية التنفيذية في اعداد مقترحات القوانين لتجنب تضارب الرؤى بين الجهتين لان مثل هكذا تضارب يسهم في ارباك العمل التنفيذي الذي يكون بتماس مباشر مع المواطنين ومصالحهم.


قراءة / تحميل