عقد مركز الرافدين للحوار ندوة اقتصادية بعنوان "الآثار المحتملة لإعادة تقويم سعر صرف الدينار: من وجهة نظر أكاديمية" شارك فيها عدد من الأساتذة والمختصين والسياسيين، وحضر الندوة أكثر من 180 مشارك، وفي بداية الندوة رحب الأستاذ الدكتور حسن لطيف الزبيدي بالمشاركين والحاضرين بالندوة، بعدها أدار الندوة الدكتور كامل علاوي الفتلاوي.
تطرقت الدكتورة سوسن الجبوري عميدة كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة القادسية الى سعر الصرف والياته ونظمه والكيفية التي يتحدد بها، ومن ثم تطرقت الى تطورات سعر صرف الدينار العراقي والاثار التي ترتبت على تغيراته.

وتناول الدكتور عمار خلف الدليمي نائب محافظ البنك المركزي وكالة الآثار الإستراتيجية لإعادة تقويم سعر الصرف ومن خلال ثلاثة محاور رئيسة:

·      الأولى مبررات تغيير سعر الصرف، وتمثلت ببرنامج الحكومة الحالية للإصلاح الاقتصادي والمالي والنهوض بالإنتاج المحلي وتقليل الاستيرادات. تكرار الصدمات التي تعرض لها الاقتصاد العراقي منذ عام 2014 الناتجة عن انخفاض اسعار النفط مما اعادة التفكير بتغيير سعر الصرف. والزيادة المستمرة في الانفاق العام وعدم كفاية الايرادات العامة والذي ترتب عنه زيادة الدين العام الداخلي من (32) ترليون دينار عام 2015 إلى نحو (64) ترليون دينار عام 2020 بمعدل زيادة (50%). وهذه الزيادة في الدين العام تهدد الاستدامة المالية للمالية العامة في مواجهة صدمات إضافية في حالة حدوثها. وانخفاض نسبة الاصول الاجنبية إلى إجمالي ميزانية البنك المركزي بسبب زيادة الاصول المحلية الناتجة عن خصم حوالات الخزينة لاسيما في عام 2020 والتي بلغت بحدود (26) ترليون دينار. تقلب الاحتياطيات الاجنبية لدى البنك المركزي بسبب انخفاض اسعار النفط ومشترياته من وزارة المالية وبيعه للعملة الاجنبية للمصارف من خلال نافذة بيع العملة الاجنبية.

·      الثانية تمثلت بعرض الاثار الايجابية المتوقعة لتغيير سعر الصرف على الاقتصاد والمتمثلة بزيادة الاحتياطيات الاجنبية لدى البنك المركزي العراقي من (54) مليار دولار كما في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2020 الى (56) مليار دولار كما في شهر شباط (فبراير) 2021. وانخفاض الطلب على العملة الاجنبية. وتوقع انخفاض الاستيرادات وزيادة الانتاج المحلي بسبب تغيير سعر الصرف. وعلى الرغم من الاثار الايجابية المتوقعة فأنه من المتوقع ان يكون هناك اثار سلبية متمثلة بانخفاض الدخل الحقيقي لأصحاب الدخل المحدود والفئات الفقيرة والهشة. ولتجنب تلك الاثار السلبية وتعزيز الاثار الايجابية فأن البنك المركزي العراقي اتخذ عدة اجراءات منها إطلاق مبادرة جديدة بملغ (5) تريليونات دينار بأسعار فائدة منخفضة جدا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وقطاع الاسكان. واعتماد سياسة الاصلاح المصرفي للنهوض بالقطاع المصرفي وجعله قائد للتنمية الاقتصادية.

·      المحور الثالث تضمن متطلبات تعزيز المكاسب من تغيير سعر الصرف والمتمثلة بضرورة قيام الوزارات الأخرى بلعب دورها الطبيعي في تنفيذ توصيات «الورقة البيضاء» مثل:

o     توفير الدعم المناسب للقطاع الزراعي والصناعي.

o     ضبط المنافذ الحدودية.

o     قيام وزارة المالية بإصلاح أوضاع المالية العامة من خلال تعظيم الايرادات وتقليل الانفاق غير الضروري.

o     قيام وزارة المالية بتسديد جزء من ديونها من الفوائض المالية المكتسبة عن تغيير سعر الصرف وارتفاع أسعار النفط.

وتناول الأستاذ الدكتور عبد الحسين جليل الغالبي أستاذ النقدية في جامعة الكوفة الى الآثار التجارية لإعادة تقويم سعر الصرف للدينار العراقي وبين أن التجارة العراقية تميزت بتركز الصادرات على سلعة معينة وهي النفط، وارتفاع نسبة إسهام الصادرات في الناتج المحلي الاجمالي. بينما الاستيرادات فإنها شهدت تنوعا في السلع المستوردة. مع ارتفاع نسبة الاستيرادات إلى الناتج المحلي الاجمالي (GDP). ولتسليط الضوء على التجارة العراقية فقد تم دراسة تركيا وإيران اذ انتعشت التجارة معهما بعد عام 2003. ارتفعت قيمة الاستيرادات من تركيا وانتقل ترتيب السوق العراقية في سلم استيعاب الصادرات التركية من المرتبة (9) عام 2004 إلى المرتبة (2) عام 2013. ولعب انخفاض قيمة الليرة التركية وارتفاع قيمة الدينار العراقي دورا في ذلك اذ أصبح مجموع انخفاض قيمة الليرة وارتفاع قيمة الدينار (260%). ويشير معامل الارتباط العكسي المرتفع بين سعر صرف الدولار/الدينار وبين الاستيرادات العراقية من تركيا ومعامل الارتباط الطردي المتوسط بين سعر صرف الدولار/ الليرة وبينها الى أن تحركات أسعار صرف العملتين تؤدي إلى تغير مهم في حجم الاستيرادات العراقية من تركيا. بينما شكلت التجارة مع ايران في عام 2018 ما نسبته (14.5%) من إجمالي الاستيرادات العراقية ووصلت الى (6.1%) من إجمالي الصادرات الإيرانية. وشهدت قيمة الريال الإيراني انخفاضا كبيرا فقد بلغ مجموع انخفاض قيمة الريال الإيراني بالسعر الموازي وارتفاع قيمة الدينار بالسعر الموازي (558%)، وكان معامل الارتباط بين سعر صرف الدولار/الدينار والاستيرادات العراقية من إيران عكسي وقوي وان سعر صرف الدولار/الريال قوي وطردي يشير إلى أن تغير سعر صرف الدولار يؤدي إلى تغير مهم في الاستيرادات العراقية من إيران.

اما موقف مراكمة الاحتياطيات وسعر الصرف الأجنبي امام الدينار فان نسب مراكمة الاحتياطيات كانت في تنازل خلال المدة المدروسة التي تمت تجزئتها الى ثلاث فترات اذ كانت في المدة (2004 - 2009) (58.1%) و(2010 - 2013) (14.98%) و(2014 - 2018) (-1.8%) والتي تشير الى شدة وكثافة استخدام الاحتياطيات في الدفاع عن سعر الصرف الأجنبي امام الدينار العراقي، وختاما فقد كانت الفترة المثالية لتخفيض قيمة الدينار العراقي هي الفترة الثانية ولكن البنك المركزي لم يستجب، وحين جاءت الفترة الثالثة والتي تعرض خلالها الاقتصاد العراقي للصدمة المزدوجة امسى التخفيض واجبا ولكن البنك المركزي لم يستجب واستمر في الدفاع عن سعر الصرف على حساب الاحتياطيات، حتى جاء القرار في أواخر عام 2020 وهو قرار صحيح في ظل تحليل متغيرات التجارة والاحتياطيات وان كان متأخرا وسيعمل في الاجل القصير على تحسين وضع الموازنة العامة وفي الاجل المتوسط والطويل على تقليل الاستيرادات وتشجيع المنتج المحلي وتوفير فرص العمل. وعليه فانه من الضرورة الابقاء على السعر الجديد وعدم التراجع عنه اذ ستترتب عليه مشاكل كثيرة.

وتطرق الأستاذ الدكتور سمير فخري نعمة عميد كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة نوروز الى الآثار المالية لإعادة تقويم سعر صرف الدينار العراقي وركز على أن الاقتصاد العراقي واجه بعد ازمة كورونا نوعين من الاختلالات، الاختلال الخارجي، اتخذ تدهور شديد ومستمر في الحساب الجاري الى الناتج المحلي الاجمالي ليبلغ في اقصاه عجز بحدود 20%، ولينعكس بتدهور شديد ومستمر في سعر الصرف الحقيقي الموازي من خلال انخفاض مبيعات العملة الاجنبية عبر نافذة بيع العملة وكذلك انخفاض مبيعات الحكومة للمركزي من العملة الصعبة اضافة الى التوقع التشاؤم تجاه العملة المحلية، أما الاختلال الداخلي يتمثل بعجز الموازنة العامة خلال عام 2020، مما ادى الى التمويل عن طريق الاقتراض الداخلي بصورة مباشرة، او غير مباشر عن طريق خصم اوراق الدين لتمويل العجز، ليبلغ أكثر من 26 ترليون فضلاً عن اجمالي الاقتراض الداخلي التراكمي للسنوات السابقة مما شكل ضغطا كبيرا على قيمة العملة المحلية، وازاء هذا الوضع لم يكن امام السلطات المعنية إلا ان تتدخل لاحتواء هذين الاختلالين من خلال تخفيض قيمة العملة المحلية، وذلك لمعالجة العجز المزدوج في الحساب الجاري والمعطوف على عجز الموازنة العامة، لغرض المحافظة على الاحتياطيات الاجنبية بحدودها الآمنة نسبة الى العملة المصدرة. ولخص الآثار المالية بالآتي:

·      ارتفاع نسبة كفاية الاحتياطيات الاجنبية بنسبة (22%) التي تشير الى مقدار التدخل في قيمة العملة اي بمعنى تحقيق عائد اصدار نقدي جديد (سينيوريج) مما يجعل عملية الاقتراض الداخلي من السلطات النقدية أكبر وهذا واضح في مشروع قانون موازنة عام 2021، من خلال مؤشر الفجوة التمويلية.

·      تحسن موقف الحساب الجاري من خلال انخفاض نسبة الاستيرادات من الاستهلاك المحلي نتيجة انخفاض الدخل الحقيقي بسبب التدخل بتخفيض قيمة العملة المحلية، وهذا يعتمد على المرونة السعرية للاستيرادات هذا من جانب وانخفاض مبيعات البنك المركزي عبر نافذة بيع العملة بالحد الادنى بمقدار التدخل بسعر الصرف من جانب أخر.

·       ارتفاع الايرادات الحكومية بنسبة (22%) نتيجة تخفيض قيمة العملة والناتجة عن تحويل الايرادات النفطية الدولارية الى دينارية والمنعكسة بتخفيض حجم العجز في الموازنة اضافة الى ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي.

·      ارتفاع اجمالي الانفاق الحكومي نتيجة استيرادات الحكومة بالعملة الصعبة، وتسديد الديون الخارجية كفوائد وأصل القرض، اضافة الى تسديد المستحقات الاستثمارية المرتبطة بالقطاع النفطي.

·      انخفاض الدين العام الداخلي بمقدار التدخل بقيمة العملة المحلية، حيث تنخفض ديون المصارف والبنك المركزي على الحكومة لكون ايرادات الحكومة بالعملة الاجنبية.

·      إن التحدي الاكبر لاتخاذ قرار التخفيض في قيمة العملة، هو اعادة استثمار الايرادات المتحققة نتيجة التخفيض بهدف بناء قاعدة انتاجية مستهدفة خارج القطاع النفطي، والتي تجعل من الطلب على الدولار أن ينخفض نتيجة تعويض بعض السلع المنتجة المتاجر بها والتي تجعل من نسبة الاستيرادات الى الاستهلاك المحلي تأخذ بالانحسار.

·      إن التوازن المالي أكثر حساسية من التوازن الخارجي لتغيرات سعر الصرف، بسبب حركة عرض النقد المرتبطة بالإنفاق العام هذا من جانب ومن جانب اخر لا نمتلك فوائض متراكمة والتي تسمى احتياطيات استقرار مالي تجعل مرونة الصرف غير مقيدة عند حدوث عجز في الموازنة.

 

وتحدث الأستاذ الدكتور أحمد حسين بتال أستاذ الاقتصاد الكلي والقياسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة الانبار عن الآثار الاجتماعية لإعادة تقويم سعر صرف الدينار العراقي، ولخص تلك الآثار بما يأتي:

1.    زيادة معدلات التضخم اذ ارتفع معدل التضخم الى 3.2% شهر كانون الاول (ديسمبر) 2020 مقارنة بـ -0.3% لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) في العام نفسه.

2.    زيادة معدلات البطالة المتوقعة اذ يتوقع ان تصل الى 17% عام 2021، مقارنة بـ 15.8% عام 2020.

3.    زيادة معدلات الفقر ونسبة الهشاشة كشف برنامج الاغذية العالمي FAO في العراق التابع للأمم المتحدة، عن ارتفاع سعر سلة الغذاء 14% بعد تخفيض قيمة العملة المحلية امام الدولار الامريكي.

4.    وبحسب منظمة UNICEF بلغت نسبة الفقر 31% لعام 2020 بسبب جائحة كورونا مقارنة بـ 20% عام 2018، وإن 42% من السكان يصنفون على أنهم من الفئات الهشة خصوصا بعد تخفيض سعر صرف الدينار امام الدولار، إذ يواجهون مخاطر أعلى كونهم يعانون من الحرمان من حيث العديد من الأبعاد: التعليم، والصحة، والظروف المعيشية، والأمن المالي. كما أنَّ نحو ثلاثة ملايين شخص في العراق، منهم 731 ألف نازح داخلي، لم يكن لديهم ما يكفي من الطعام.

ولتلافي تلك الآثار اقترح ما يأتي:

·      توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتعزيز الوصول المتكافئ إلى الخدمات الاجتماعية لكافة المستحقين، مع التركيز على التعليم، والصحة، وحماية الطفل، وينبغي ان تكون توجهات الحكومة المركزية للاستجابة للازمات الناجمة عن جائحة كورونا وسياسة تخفيض سعر الصرف للدينار. من خلال اقرار ذلك في الموازنة العامة.

·      تعزيز شبكة الحماية الاجتماعي بقاعدة بيانات الكترونية تضمن حصول المستحق من الرعاية الاجتماعية.

 

 وفي نهاية الندوة شكر السيد مدير المركز السادة المحاضرين والمشاركين فيها.

 

قراءة / تحميل