لجنة مكافحة الفساد.. "الجدية والحزم" في نقطة حِوار بين أعضاء مركز الرافدين للحوار-RCD
اخذت اللجنة اجراءاتها بمحاربة الفساد الذي كان على رأس المطالب التي شهدتها الاحتجاجات الشعبية "ثورة تشرين الاول2019"، واعتقالها لمسؤولين كبار وصفوا بحيتان الفساد.
فقد جرى مؤخرا اعتقال احد ابرز الشخصيات السياسية ألا وهو زعيم حزب الحل جمال الكربولي وذلك بعد اعترافات أدلى بها رجل أعمال يدعى بهاء الجوراني حول ملفات فساد اشترك بها مع عائلة الكربولي.
وقد اثني على تلك الاجراءات من قبل البعض مؤكدين ضرورة ان تتواصل وتشمل باقي الوزارات والملفات والشخصيات المحسوبة على كل الاطراف السياسية بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية والجغرافية.
وفي هذا السِياق؛ أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوار R.C.D رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم حول ذلك الموضوع، وقد كان من ضِمن المُتحاورين كُل مِن السادَّة:
1. الاستاذ جمال الاسدي| مستشار وزارة التجارة
2. السيد هاشم الموسوي| عضو مجلس النواب العراقي السابق
3. السيد محمد باقر الحسيني| استاذ في الحوزة العلمية
4. أ.د. حسن لطيف كاظم| مدير مركز الرافدين للحوار RCD
5. أ.د. مقدام عبد الحسن الفياض| تدريسي في جامعة الكوفة
6. أ.د. احمد سامي المعموري| تدريسي في كلية القانون/ جامعة الكوفة
7. أ.م.د سهاد إسماعيل خليل| رئيس قسم الاستراتيجية/ كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين
8. السيدة الا الطالباني| عضو مجلس النواب العراقي
9. الدكتور علاء الخطيب| كاتب واعلامي
10. أ.م.د. احمد الميالي| استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد
11. الاستاذ حسن علي الاسدي| تدريسي في كلية العلوم السياسية/ جامعة الكوفة
12. الاستاذ وسام رشيد| كاتب وصحفي
13. الاستاذ محمد صالح الشرماني| كاتب وصحفي
وتضمَّن الحِوار الذي دارَ بينهُم ما يأتي: -
نظرا لما يمر به العراق من ظاهرة ( الفساد) التي انتجت سوءا بالخدمات وترهل الادارة وتشظي مراكز القوة وتراجع قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاخرى، كما ان التراجع شمل الجهود الاصلاحية لمواجهة الفساد واستنباته في العراق.
اكد الدكتور احمد الميالي مع وجود جرأة وشجاعة لبعض القيادات السياسية والقضائية تحاول المجابهة واعادة ثقة المواطن العراقي بالمجال العام وخاصة السياسي، وهذا ما حصل مؤخرا بعد تسنم مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة الحالية منذ العام الماضي، وجرأة القضاء العراقي خلال هذه المرحلة بمواجهة الضغوطات السياسية لغرض تنفيذ القوانين والاحكام المتصلة بمكافحة الفساد ضد ايً من كان.
اذ تفاعل المواطن العراقي ايجابا مع خبر اعتقال "جمال الكربولي"رئيس حزب الحل، وتعد عملية الاعتقال امتدادا لملفات فساد وزارتي الصناعة والكهرباء بعد ان تم اعتقال مستشار رئيس الوزراء لشؤون الطاقة "رعد الحارس" من قبل لجنة مكافحة الفساد وعند التحقيق تم الاعتراف على مدير قسم العقود في وزارة الكهرباء "رعد قاسم" وتم اعتقاله من قبل اللجنة وبعدها تم الاعتراف على "بهاء الجوراني" وتم اعتقاله، وفي التحقيق اعترف الاخير: ان الصفقات كانت بدعم ومشاركة مع "جمال الكربولي" وابن اخته "لؤي الكربولي" وقدم عقودا واوراقا تثبت ذلك، فصدر امر القاء قبض بحقهم من قاضي تحقيق لجنة مكافحة الفساد وتم التنفيذ، والمعلومات المؤكدة تشير الى وجود اسماء كبيرة اخرى عليها ادلة ووثائق متعلقة بفساد وزارتي الكهرباء والصناعة وبالخصوص العقود الموقعة بالشراكة او التنفيذ بين الوزارتين.
ان هذه الاجراءات من الضروري ان تتواصل وتشمل باقي الوزارات والملفات والشخصيات المحسوبة على كل الاطراف السياسية بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية والجغرافية.
هذه الاجراءات والجهود تؤسس لإطار محاسبة ورقابة فعال لانجاز الاصلاحات وتقوية الدولة واستنهاضها، واذا ما عززت سياسيا من خلال دعم وارادة سياسية موحدة وجادة ، واعلاميا من خلال حشد وسائل الاعلام لتسليط الضوء الايجابي والفاعل على المعركة ضد الفساد ، ستتفيأ بدعم شعبي واسع ، يعمل على المحافظة على مكتسباتها وتحولها الى حلقة فعالة وخطوات اصلاحية ناجحة في اطار اعادة بناء دولة مؤسسات في العراق.
"مهنة مربحة"
وقال الدكتور علاء الخطيب: ان هذه المهنة لا تحتاج الى دراسة ، ولا الى خبرة، كل ما عليك عمله ان تنحرف وتخون وطنك، وتكفر بالنزاهة حينها ستحمل لقباً مشيناً شعبياً ، مقبول نخبوياً هو لقب " فاسد".
هذه المهنة لاقت رواجاً كبيراً في العراق ، حتى نخرت عروش الدولة، وصنفتها كدولة فاسدة بامتياز بحسب تقرير منظمة الشفافية العالمية لسنة 2020.
ان ما يعاني منه العراق اليوم كثرة المشتغلين في هذه المهنة فاحشة الربح، الذين يتبوأون مناصب ومواقع مهمة في الدولة والمجتمع.
انه واقعٌ معقد يحتاج الى شجاعة بالغة لاقتلاعه، فالحكومات المتعاقبة على العراق منذ 2003 لم تستطع ان تحارب أو تَحُد من هذه الظاهرة التي استشرت بشكل مخيف .
وفي الايام الاخيرة، أقدمت حكومة السيد الكاظمي على تقويم الانحراف، فأصدرت مجموعة من أوامر الاعتقال بحق أشخاص وردت أسماؤهم في التحقيقات بتهم فساد، هذه الخطوة الشجاعة كما وصفها كثير من العراقيين ، هي بداية الغيث الذي سينهمر .
فلم تكن الخطوة الأولى على اهميتها كبيرة ، بقدر ما ستفضي اليه من نتائج ، لتقويم الاعوجاج في العمل الحكومي .
وطبقاً لتعريف معجم اكسفورد لمصطلح الفساد على انه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة. يعني ان محاربته ستؤدي الى إصلاح ومواجهة بين قوى الدولة و اللادولة بكل اشكالها.
وإذا كان واجب الدولة محاربة الفساد ضمن القانون، فان واجب الشعب هو دعم الدولة في هذا الاتجاه. والشعب الذي أعنيه هنا النخب و النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني .
اقتلاع الفساد يحتاج الى وقفة حقيقية من كل القوى التي "تريد وطن " الشعار الذي رفعه المتظاهرون يجب ان يترجم الى واقع عملي، من خلال اسناد القوى الامنية والقضاء. لا يمكن لرئيس الوزراء ان يقاتل وهو اعزل ، ولا يمكن لدول العالم ان تدعم توجه العراق في محاربة الفساد إلا بوجود ضغط شعبي وتيار داعم وجدية من السلطات.
كما يجب ان تكون الجماهير عينٌ تراقب الاداء الحكومي في هذه الخطوات وان ترفض أي انحراف او ميل عن خط سير العدالة. دورُ الشعب مهم ومؤثر جداً في نجاح هذه الخطوة أو فشلها.
وعن اكثر الدوائر فسادا بين السيد هاشم الموسوي: بان دوائر التسجيل العقاري والبلدية في النجف الاشرف هي من اكثر الدوائر فسادا... بحيث تجني مليارات الدنانير شهريا من خلال عمليات تزوير منظمة للعقارات(قطع الاراضي) المملوكة للدولة من خلال لوبي يمتلك خبرة فنية كبيرة بين الدائرتين ويستطيع التلاعب واصدار اي وثائق او كتب رسمية تحسم الموضوع ... في كل المناطق الراقية ستتفاجأ في النجف الاشرف ان المالك لقطعة الارض عمره ٤٨ سنة تملك قطعة الارض التي تقدر بربع مليار في ايام صدام عندما كان عمره ٢٨ سنة والاضبارة محترقة والوثائق شهادات مواطنين وهميين... بل تصل الجرأة لخداعك بسندات واوراق مزورة من دون ادنى خوف من اي جهة ..
ومن اجل تحقيق النزاهة ومواجهة ومكافحة الفساد، اكدت السيدة الا الطالباني: بأنه يجب ان تكون بمنظومة متكاملة.. المؤسسات الرقابية من مجلس النواب والسلطتين التنفيذية والقضائية يجب ان تكمل بعضها كي لا تشوبها الشبهات على انها ادوات لا سمح الله بيد جهات او اشخاص معينة .
ويحب ان يكون الهدف من مكافحة الفساد استرجاع اموال الشعب المسروقة والمنهوبة، لا القاء القبض على الفاسدين فقط! وخاصة مع قرب الانتخابات !
من جانبه اوضح السيد محمد باقر الحسيني: اننا كمراقبين نتطلع الى المزيد من الإجراءات التي تدعم مواجهة الفساد الذي استشرى في مؤسسات الدولة، وأن يتم التوجه اكثر لاقتطاف الرؤوس التي اينعت بفسادها، ولما تظن أن اليوم سيحين لقطافها، بعدما اعتقدت أنها نجحت في تأسيس شبكات تحميها وتحمي أنصارها ومن هم على شاكلتها.
ويمكن للجنة أن تعيد فتح الملفات التي أصدر فيها القضاء احكاما بحق شخصيات حكومية تنفيذية لاسيما في المحافظات، لكشف المزيد من القضايا ذات الصلة، تفعيل مبدأ "من أين لك هذا؟" لكشف التضخم الفلكي في ثروات بعض المسؤولين، وان يتوسع نطاق عملها جغرافيا لتشمل جميع المحافظات العراقية دون مورابة أو مجاملة. وان تجتهد في ضرب رؤوس الفساد تحقيقا لمقولة ان مكافحة السفاد مثل تنظيف الدرج تبدأ من الأعلى الى الأسفل.
اننا اليوم نعيش لحظة مفصلية في تاريخنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، تتمثل في تآزر مجموعة من الازمات التي تستلزم حشد موارد الدولة وانفاقها بما يؤمن تعظيم العائد منها، الا ان الفساد يقوض تلك المجهودات، ويجعلنا أضعف في مواجهة التحديات والأزمات.
السيد الكاظمي وحكومته توفرت لهم فرصة تاريخية لا ينساها الشعب العراقي في مكافحة الفساد ونعتقد الخطوة الاولى كانت برأس جمال الكربولي التي افرحت واسرت كل عراقي شريف يذود عن حمى وطنه.
وحول مدى جدية الحكومة في اتخاذ إجراءات حازمة في مكافحة الفساد، قال الدكتور حسن لطيف كاظم: لقد أثار اعتقال بعض الشخصيات السياسية جدلا واسعا حول مدى جدية الحكومة في اتخاذ ، وأعاد الى الواجهة دور لجنة الامر الديواني 29 لسنة 2020، بعدما أفل الحديث عنها بعض الشيء، مع عدم الإعلان عن إجراءاتها. وقد حمل هذا الاعتقال ابعادا عديدة ليس اقلها أهمية نوعية المتهمين ووزنهم السياسي، وضخامة الملفات التي ترتبط بهم، وعلاقتها بالإجراءات التي اتخذتها اللجنة فيما سبق.
ان الخطوة الحاسمة جاءت مع تشكيل لجنة الامر الديوانية (29) لسنة 2020 التي تشكلت بموجبها لجنة عليا ترتبط بمكتب السيد رئيس الوزراء تتولى التحقيق بقضايا الفساد، وعلى الرغم مما أثير حول عمل اللجنة وحدود صلاحياتها، الا ان لجنة برلمانية شكلت للاطلاع على عملها في أواخر العام الماضي، وقد بين تقريرها أن عدد الموقوفين الكلي بلغ 29 موقوفا، أطلق سراح 14 منهم، فيما صدرت أوامر قبض بحق 69 متهما، وبين التقرير أن جميع الوقوفين قد ألقى القبض عليهم بمذكرات أصولية صادرة بموجب أمر قضائي، وقد دونت أغلب الافادات بحضور محامين منتدبين للمتهمين. مع ذلك فقد سجلت اللجنة البرلمانية بعض الملاحظات على عمل لجنة مكافحة الفساد، وأوصت بمجموعة من التوصيات لعل أهمها التوصية "بحلها وإعطاء كل جهة اختصاصها الوظيفي والقانوني".
وما من شك أن نطاق مسؤولية المجتمع تجاه مكافحة الفساد يشمل جميع مؤسساته وأبنائه، لاسيما المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وهنا تتصدر المشهد أعلى المؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية، التي يقع على عاتقها مسؤولية مكافحة الفساد، واتخاذ الإجراءات العملية لمواجهته، وتمكين الأجهزة الرقابية من محاصرته وتفكيك بنياته.
وهنا يمكن أن يمارس الاعلام دورا مهما وفاعلا في عملية مكافحة الفساد والتنبيه لممارساته، اذ يمكن للصحافة الاستقصائية ان تنبه الرأي العام والمؤسسات المعنية بمكافحة الفساد الى الحقائق التي قد تكون غائبة عنها، عبر قدرتها على التعمق اكثر في التحقيق وكشف جوانب خفية للأنشطة الفاسدة والمشبوهة، لاسيما في المشروعات وفي المؤسسات الخدمية.
وهنا نجد أن على لجنة الامر الديواني ان تقوم بنشر تقارير مفصلة عن أعمالها، من أجل أن يطلع الرأي العام عليها، وان تسمح للأطراف المعنية من أصحاب المصلحة في المشاركة والدعم بما يحقق أهدافها التي انتدبت من أجلها.
وذكرت أ.م.د سهاد إسماعيل خليل: ان السياسات التي تبناها السيد الكاظمي لم تكن سهلة من حيث التنفيذ فقد اصطدمت في بداية الأمر ببعض التوجهات السياسية والبرلمانية خاصةً تلك التي تتصل بفئات العدالة الانتقالية مما جعل التصعيد السياسي واقفاً أمام الكثير من السياسات التي حاول الكاظمي تنفيذها، على اعتبار أن تنفيذ رئيس الوزراء للإجراءات التي تبناها بخصوص فئات رفحاء والسجناء السياسيين سيكون لها تداعيات تؤثر على استمرار عمل الحكومة. وهذا من شأنه أن ينعكس بشكل واضح ومؤثر في قدرة الحكومة على الاستمرار في تنفيذ هذه السياسات مما جعل بعض التدابير تؤجل أو يتم التوقف عن تنفيذها لحين أن تستكمل إجراءات برلمانية وسياسية أخرى يتصل بعضها بالحوار والآخر يتصل بطبيعة مهام عمل حكومة السيد الكاظمي.
كانت المحاولات الأولى لحكومة السيد الكاظمي تقوم على أساس التوضيح ومحاولة تحييد المواقف السياسية والبرلمانية، إذ أوضح السيد الكاظمي أن هذه الإجراءات هي لترشيد الصرف وليس لإلغائه ولأجل تحقيق التوازن بين النفقات وفقاً لما تفرضه الظروف والتحديات الاقتصادية التي تواجه الدولة منذ بداية عام 2020، إذ رافقه إنخفاض أسعار النفط وتراجع الطلب العالمي بسبب الظروف التي أوجدتها جائحة كورونا.
لجأ السيد الكاظمي إلى مراجعة عامة في السياسات المالية والنقدية ولإيجاد سياسات جديدة قادرة على تحويل مسارات العمل من الإعتماد على الخارج إلى تأهيل البنية التحتية، وهذا ما تبدو بعض ملامحه في ما يعرف بالورقة البيضاء التي تستهدف تحقيق إصلاحات إقتصادية ومالية، إذ يلاحظ أن في بعض المؤسسات الحكومية أولوية للقطاع الخاص والشركات على حساب الشركات العامة التابع لمؤسسات الدولة، وهذا مايجعل الفساد يمتد لمساحات مؤثرة على القرارات السياسية يصعب تفكيكها بسهولة من دون أن يكون هنالك ضمانات للثقة تعمل على أساسها الحكومة مع دعم وتوافق سياسي تمنحه الكتل للبدء فعلياً بمكافحة الفساد. ووفقاً لذلك قد لايكون من السهل البدء بمثل هذه السياسات دون أن يكون هنالك توافق حقيقي. أو على أقل تقدير أن يكون هنالك مقدرة على ردع تصرفات بعض الفاسدين، فمن الصعب تفكيك الفساد دون توجيه إجراءات رادعة قادرة على التأثير وتؤسس لعملية فرض الإجراءات الوقائية في مجال مكافحة الفساد، الأمر الذي يعطي صوراً حقيقية وتعزز من ثقة المواطنين بالإجراءات الحكومية.
"الجدية والحزم"
وقال أ.د. مقدام عبد الحسن الفياض: كانت الجدية والحزم هما السمتان الأساسيتان للتوجه الحكومي منذ تشكيل لجنة مكافحة الفساد برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف التي أخذت على عاتقها فتح الملفات الساخنة، التي تهيّب سابقوها الإقتراب منها، لما تنطوي عليه من حساسية، ولمساسها بشخصيات سياسية قوية ومتنفذة ولها أذرعها في عالم السياسة والمال.
لذا فإن اعتقال السياسي العراقي ورئيس حزب (الحل) جمال الكربولي وابن شقيقه فجر الأحد 18 نيسان (أبريل) 2021، في العاصمة بغداد، وعدم الرضوخ لكل الضغوط لثنيها عن ذلك يعد عملية نوعية جاءت لتؤكد أن الحكومة عازمة على المضي بتنفيذ إصلاحاتها واستراتيجيتها الوطنية في مكافحة الفساد، وملاحقة أبرز متهميه، على أن لا يصطدم ذلك مع الحقوق الأساسية لكل فرد عراقي واحترام حقه في الدفاع عن نفسه أصولياً قبل إدانته النهائية.
نأمل أن تبعث العملية المذكورة رسائل طمأنة لجميع فئات الشعب العراقي بأن دولتهم تحارب الفساد فعلياً، وأن ساعة الصفر قد دقت لدكّ معاقله مهما كانت حصينة. مما يساعد على تثقيف المجتمع وتحويل ولاءه بصورة تدريجية من العشيرة والطائفة والمنطقة إلى الأمة والدولة. كما يجب أن نُبين للمجتمع الدولي أن العراق يمتلك دولة قوية تحترم القانون وتطبقه على جميع مواطنيها دون استثناء، ومن المؤمل أيضاً أن ترسم صورة حسنة لدول العالم لا سيما الصديقة منها، أن العراق ليس دولة هشة أو قلقة، بل يمكن أن يكون أرضاً صالحة للاستثمارات ومحلاً للاحترام والمهابة.
كما إن الوضع الذي تمر به الحكومة يتطلب منا أن نثني على عمل اللجنة العليا لمكافحة الفساد، وندعو الى تقدير الجهود الكبيرة المبذولة من قبلها، وتكريم كل عناصرها الإدارية والقضائية والعسكرية، لجعلها قدوة في التفاني في أداء الواجب للحفاظ على أمن المجتمع وسلامته. ويستدعي من وسائل الإعلام أن تتحلى بالحرفية العالية في تغطياتها الإخبارية، وأن تتوجه بالشكل الذي يدعم خطواتها في محاربة الفساد وملاحقة المخالفين قضائياً وأمنياً، ورفع معنويات أجهزتنا الأمنية لتشجيعها على المضي قُدماً نحو القيام بواجباتها الوطنية بتطويق بؤر الفساد واقتلاعه من جذوره، والعمل على بناء رأي عام تسوده قيم الديمقراطية والشعور بالعدالة والخضوع للقانون، والايمان بحقوق الإنسان ومفاهيم المجتمع المدني .
ومن اجل تقويم ودعم عمل هذه اللجنة فقد دعا أ.د. احمد سامي المعموري بان تستمر بعملها وتصديها ولكن ينبغي ان يكون المعيار في الملفات هو معيار وطني قانوني دون النظر الى الجهة التي ينتمي لها هذا الفاسد او ذاك او كونه مدعوم من جهة سياسية تملك نفوذ سياسي او قوة مسلحة او ان يكون من تلك الطائفة او هذه القومية ، وان لا تخضع للضغوط السياسية والاجندات والابتزاز والصفقات دون الخشية من انتمائه الحزبي او الديني، بل لا بد ان تضرب الفساد في كل مناطق العراق وكل الفاسدين الذين لا يخفون على المواطن المتابع فكيف بالحكومة التي تعرفهم كما ترى الشمس في رابعة النهار .
كما يجب على اللجنة ان يكون عملها لمستويات اعلى من الفاسدين فالغالبية الساحقة لمن تم القاء القبض عليهم هم من فاسدي الصف الثاني او الثالث من الأحزاب او المسؤولين التنفيذين، والمفروض ان يتم التوجه نحو القيادات الفاسدة الكبيرة او ما يطلق عليهم حيتان الفساد وسوف تحظى بدعم شعبي ووطني ، لأننا نرى انها اخر فرصة يجب ان تستثمر لإعادة سلطة القانون وهيبته فلم تتصد أي حكومة منذ 2003 للفساد مثلما تصدت لها حكومة الكاظمي ، واذا مرت هذه الفرصة التاريخية فوتنا على شعبنا وبلدنا الامل الوحيد في ان نؤسس دولة دستورية تحترمها الدول الاخرى ، ولات ساعة مندم .
تعقيبا على ذلك كله فقد بين الاستاذ جمال الاسدي: بان الفساد بأنواعه الثلاثة العقود والاستثمارات الموارد الرشاوى والواسطة وغيرها قد زادت بنسبة ليست بالقليلة عن عامي 2019 و2020.
وقال بالتأكيد ان هناك ارتياح لهذه الاجراءات والتحركات وانها فوق المستوى المعهود.
وقال الاستاذ حسن علي الاسدي: ان الإرادة السياسية التي اظهرتها الحكومة الحالية في مكافحة الفساد ربما تكون غير مسبوقة، اذ لأول مرة يتم اعتقال شخصيات كانت عليها شبهات فساد على نطاق واسع وهذا يعكس تلك الإرادة والجدية للتعامل مع هذا الملف، فاعتقال شخصيات مثل جمال الكربولي برغم علاقاته السياسية ومنظومته الاعلامية يعطي مؤشرا واضحا على تلك الجدية ، ثم يأتي دور القضاء المعروف باستقلاله ليعطي حكمه النهائي بالتبرئة او الادانة.
ان عملية اعتقال الاشخاص المتهمين بالفساد والذين لديهم ارتباطات سياسية هي الخطوة الاولى الصحيحة في طريق مكافحة الفساد، كون ان الغطاء السياسي للفساد هو الاكثر خطورة.
تبقى خطوة الحكومة العراقية موضع تمحيص للمراقبين، ولكي تكتسب تلك الخطوة المزيد من المصداقية فهي لابد ان تقترن بخطوتين اخرتين، الاولى عدم اعطاء الانطباع بان الاعتقالات تتم لاغراض سياسية خصوصا في هذا الموسم الانتخابي، والخطوة الثانية هي ان تمتد مكافحة الفساد لتشمل المتورطين فيه من جميع المكونات والتي لا يخلو ايا منها من مفسدين كبار، حتى تكون الرسالة واضحة من السلطتين التنفيذية و القضائية بان فجر العراق الخالي من الفساد قد بدت ملامحه بالظهور.
وبيَّن الاستاذ وسام رشيد: ان التفاهم العميق بين رئيسي مجلس النواب ومجلس القضاء الاعلى الذي ظهر في تصريحات السيد زيدان في احدى الفضائيات قبل ايام، ساهم بتوفير اجواء ايجابية للجهة التنفيذية المكلفة بالتحقيق والكشف عن ملفات سرقة وهدر اموال الدولة، واستغلال النفوذ، وبمساندة وتفاعل واضح من السلطات القضائية، ولضرورات حتمية الاصلاح، والتغيير في تكتيكات الحكومة، وتأسيس مجلس مكافحة الفساد بالامر الديواني 29 والذي كان له دور كبير في تأسيس مجموعة متناغمة ومحترفة من المحققين في مجال مكافحة سرقة اموال الدولة، وبصلاحيات استثانية، بدأت بفتح ملفات مهمة تخص الطاقة والصناعة والتجارة وبعض الهيئات العمومية.
ضرب الخط الثاني من قادة ورموز الفساد هو بادرة مرضية ونقطة تحول في سياسات السلطات الحاكمة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهي اجراءات مدعومة الى حد كبير من قبل عامة الناس، حيث استشرى الامل في امكانية ايقاف هذا النزف الخطير في جسد الدولة والحكومة والشعب.
عملية واحدة بحجم القاء القبض على جمال الكربولي واحد مساعديه بعثت الامل في نفوس المواطنين، وزرعت مساحة واسعة من الثقة في الاجهزة التنفيذية للدولة، بعد سبات محسوب، واضطراري استغرق سنوات.
جمال الكربولي هو نموذج لمجموعة كبيرة من حيتان الفساد ورموزه المنتشرين داخل الوزارات والمكاتب الاقتصادية لبعض الاحزاب، ورغم ان العملية منفردة تخص جهة واحدة وكيان وشخص بعينه لكنها ستؤسس لمنهج يبعث الامل في الشروع مجدداً في عملية البناء والاعمار، وترميم ما خربته تلك الجهات المتخمة على حساب خراب الوطن وسرقة امواله.
ومن الضروري الان ان يقف المواطن صوب هذا الاجراء، واشاعة مناخ يساعد على المضي قدماً بتفتيت مقومات الفساد، وان تشمل هذه التحركات جميع النقاط السوداء على خارطة الوطن، دون الالتفات الى المذهب او القومية وعلى كامل التراب الوطني.
كما ان دور الاعلام الفردي في الدعم بدا كبيراً منذ الاعلان عن الاطاحة بالكربولي، وتبلور هذا الدعم في عدة صور قد تشجع الاداء الحكومي على الاستمرار، فهذا الدعم يدفع بالارادة السياسية للكتل والاحزاب ان تتعامل بواقعية مع تطلعات الشعب العراقي، والخلاص من بؤر التخريب وسرقة المال العام والتي اساءت كثيراً للعراق شعباً وحكومة ودولة.
وقال الاستاذ محمد صالح الشرماني: ما لمسناه مؤخرا من سلسلة اعتقالات لـ"مافيات الفساد" التي تسببت بضياع مئات المليارات من الدولارات تعتبر خطوة وشوطا كبيرا تقطعه الحكومة من اجل بناء ناجح لدولة كبيرة مثل العراق.
نجد ان الحاجة للقضاء على الفساد اليوم اكثر من حاجة البلد للقضاء على وباء كورونا والحصول على اللقاح، فلابد ان تنتهي المعاناة من هذا الوباء الذي استشرى في اغلب مفاصل الدولة، وكما دعت المرجعية الدينية سابقا الحكومة باتخاذ الاجراءات الحاسمة ضد المسؤولين الفاسدين وضربهم "بيد من حديد" نأمل ان لا تتأثر حملة الحكومة التي شنتها من اجل استئصال رؤوس الفساد بالتهديدات والضغوطات السياسية من بعض الجهات.
فلنشهد تاريخا مشرفا للقضاء العراقي والحكومة من رجال يثبتون للشعب انهم سينتصرون له ويعيدون حقوقه وامواله التي سلبت منه ولا شك ان الشعب سيبارك هذه الخطوات ويكون الداعم والسند للحكومة والقضاء في مواجهة حيتان الفساد ومن يقف خلفهم.
الاستنتاجات
1- تعكس لجنة الامر الديواني رقم 29 الخاصة بمكافحة الفساد إرادة حكومية متقدمة على الحكومات السابقة في طريق القضاء على آفة الفساد التي تفتك بالعراق سياسيا واقتصاديا.
2- خطوة اعتقال رئيس حزب الحل جمال الكربولي يمكن عدها خطوة نوعية غير مسبوقة في ملف مكافحة الفساد في العراق الشائك والمعقد.
3- الخطوة الأخيرة تدفع للتفاؤل والانتظار في الوقت نفسه، التفاؤل لان هناك جدية حقيقية والانتظار لان قائمة "حيتان الفساد" طويلة ولابد من تطبيق القانون على كل من فيها.
4- التعاون بين السلطات الثلاث حاسم في مواجهة الفساد، اذ إن النفوذ السياسي الذي يتمتع به المفسدون في كثير من الأحيان يساعد على تسويف تطبيق القانون عليهم ويساعدهم على النفوذ من القصاص.