أقام مركز الرافدين للحوار R.C.Dندوة بعنوان "قانون المحكمة الاتحادية العليا: الصياغة، والرؤية، والأهداف" حاضر فيها كوكبة نخبة من الأكاديميين والقُضاة والاختصاصيين بالشأن القانوني والدستور، على المنصة الإلكترونية (ZOOM) بتاريخ 5 نيسان/ابريل 2021 . وأدارها رئيس هيأة المستشارين في المركز أ.د. أحمد المعموري، ونوقش فيها، وفقا لأوراق المحاضرين البحثية، كل ما يتعلق بالمحكمة الاتحادية العليا وقانونها الخاص بها والتعديل الذي أجري عليه، فضلاً عن التطرق للمواد الخاصة بها في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004، وفي الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 . وفي أدناه الاوراق التي نوقشت في الندوة:
• إشكالات الاختصاصات الدستورية للمحكمة الاتحادية العليا / القاضي وائل عبد اللطيف – مختص في الشؤون القانونية والسياسية.
• غياب انعقاد المحكمة الاتحادية العليا وأثره في التشريعات الصادرة عن مجلس النواب / الأستاذ الدكتور فوزي حسين الجبوري – أستاذ القانون الدستوري في كليو القانون والعلوم السياسية جامعة كركوك.
• الفقيه الإسلامي في تشكيل المحكمة الاتحادية العليا قاضي ام مستشار / القاضي رحيم العكيلي رئيس هيأة النزاهة الأسبق.
• قانون المحكمة الاتحادية العليا ضرورة تشريعية دستورية ام مصلحة سياسية /الأستاذ الدكتور عدنان عاجل عبيد – أستاذ القانون الدستوري كلية القانون جامعة القادسية.
• رقابة المحكمة الاتحادية العليا على دستورية القوانين: رقابة الغاء ام رقابة امتناع. / الاستاذ الدكتور علي سعد عمران – معهد العلمين للدراسات العليا

الاستنتاجات:

1.   هنالك فرق بين ان تكون الدولة دستورية وبين الدولة ذات الدستور؛ فالأولى تلتزم بالدستور واحكامه وما يستتبعه ذلك من تداول للسلطة واحترام لسيادة القانون وللعلاقة بين المواطن والحاكم ،  والثانية يوجد فيها دستور لكن الحكام يتجردون منه ولا يحترموه ، ومن يقرر بأن دولة ما دستورية هو وجود جهة مسؤولة عن الرقابة على القوانين المخالفة لأحكام الدستور، وتكون متمتعة بالاستقلال القضائي الكامل وإخضاع كل ما يتعلق بالعملية السياسية الى هذه الجهة وهي المحكمة الاتحادية العليا.

2.   إن تعديل قانون المحكمة الاتحادية الذي جاء به مجلس النواب لا يعدو عن كونه ترحيل للمشكلة وليس حلاً لها فكان المفترض به ان يشرع قانوناً جديداً يلغي الامر رقم 30 لسنة 2005 ،  وينقذ البلد من هذه الاجتهادات والاختلافات الكبيرة ، لذا فإن التعديل قد وضِع لضــرورة سياسية هي إجراء الانتخابات وتمشية  مقادير العملية السياسية ، لأن غياب محكمة اتحادية يعطل إجراء الانتخابات إذ لا يمكن إجراؤها من دون أن تصادق تلك المحكمة على نتائجها ، كما انه يعطل الحياة الدستورية في البلد .

3.   التعديل لا يتطرق الى الجوانب الأساسية والمفصلية في قانون المحكمة الاتحادية ، وتذهب بعض الآراء الى القول بأن الامر رقم 30 لسنة 2005 قد صدر بناء على (قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004) بوصفه دستوراً مؤقتاً انتهى العمل به وأصبح العمل بدستور جمهورية العراق النافذ لعام 2005، لهذا يفترض أن يعدُّ القانون ملغياً بمجرد انتهاء العمل بالدستور المؤقت، لان دستور 2005  حدد في المادة 92 منه  تنظيما دستوريا جديدا للمحكمة الاتحادية شكلا وموضوعا ورؤية بما يختلف عن ما جاء به قانون ادارة الدولة لسنة 2004 ومن ثم تنتهى العمل بهذا الدستور والغي بصدور دستور 2005. 

4.   ان قانون إدارة الدول للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 قد نظم المحكمة الاتحادية بصورة لا تخولها صلاحية تفسير الدستور ولا المصادقة على نتائج الانتخابات، فضلاً عن أنه لم يتضمن تنظيما خاصا للقضاء الإداري، بالإضافة الى ذلك فإن عمل المحكمة كان يتم تجييره وتوظيفه سياسيا في الكثير من الاحيان، مع غموض بعض المصطلحات والنقص الكبير في تنظيم بعض الاحكام. كل ذلك أثار عدة مشاكل من أبرزها مشكلة تسمية الكتلة الأكبر في عام 2010 وعام 2014.

5.   لا يمكن لدولة ديمقراطية أن تطبق القوانين بشكل صحيح مالم يكن هنالك فصل بين السلطات، كما أن هذا الفصل بين السلطات يجب ألا يكون جامداً لأن ذلك أمر غير ممكن ؛ بل ان الفصل المرن هو الافضل والمعمول به في الكثير من الانظمة البرلمانية في العالم ، فعمل الدولة كالماكنة يكمل أحده الآخر، ويقوم على التعاون والتوازن بين السلطات، والعمل التشـريعي هو نتيجة لعمل السلطات الثلاث معاً بانسجام وتناسق.

6.   أن من أبرز الإشكاليات التي تُثار في هذا المجال تتمثل بمن يطعن بالقوانين، التي تثير الجدل بعد تشكيل المحكمة الاتحادية العليا، ومن يقدح بها بعد أن تثبت هذه المحكمة الاتحادية عدم دستوريته، فعلى سبيل المثال يعترض البعض على قانون أسس معادلة الشهادات الجديد لسنة 2021 الذي سوف يعترف بالشهادات الواردة من خارج العراق بإجراءات بسيطة وكافية.  

7.   هناك وجهتا نظر بخصوص وجود خبراء في الفقه الإسلامي في المحكمة الاتحادية العليا ، فالبعض يرى بأن لا حاجة لوجودهم في المحكمة وان الدستور عندما تطرق اليهم في المادة 92 فانه كان يقصد ان يكونوا مستشارين وليسوا قضاة ، وهذا الرأي يتطابق مع الوجهات التي ترى بضرورة تقليص تدخل رجل الدين في العمل السياسي، بينما يرى اتجاه اخر ان الدستور نص على وجودهم، وهذا نص دستوري لا يجوز اغفاله وان وجودهم ضروري في المحكمة، سواء اكانوا بصفة مستشارين أم اكاديميين مختصين بشؤون الشريـعة ام رجال دين تقليديين ، وفي كل الاحوال فان المادة 92/ثانياً تحتاج الى تفسير وتوضيح وستبقى مثار جدل وخلاف كبير ، فالخبراء وفق الدستور العراقي لعام 2005 النافذ، يعدّون ضرورة دستورية لا يمكن تجاوزها، ولكن عندما نريد أن يكون لدينا خبراء في الفقه الإسلامي داخل المحكمة الاتحادية العليا، ، يجب أن تتوضح عدة أمور عنهم مثل: أوصافهم، خلفياتهم، عددهم، دورهم. وأي مذهب يتبعون وهل هم مخلصون (أو متعصبون) لمذهبهم وغيرها من الاشكاليات الكبيرة الاخرى.

8.   هنالك إشكالية اخرى تتمثل في أن بعض الاحكام التي صدرت من المحكمة الاتحادية العليا قد تعاملت معها الكتل السياسية على أنها ليست ملزمة، وهي بذلك (أي الكتل السياسية) ضربت الدستور عرض الجدار؛ مثال على ذلك: في عام 2019، قبل تعطيل المحكمة الاتحادية، على إثر الحركات الاحتجاجية التي عمت الشارع العراقي، قضت المحكمة الاتحادية بعدم دستورية المحاصصة السياسية الطائفية، وبحسب الدستور يكون قراراها هذا ملزم لجميع السلطات، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، والمحاصصة بقيت سارية على قدمٍ وساق مما يفقد القيمة الدستورية وسمو احكام المحكمة .

9.   اذا كانت هناك اشكالية عن دور خبراء القانون والفقه الاسلامي في المحكمة وكيف يمكن للمستشار او للشخص غير القاضي ان يتولى اصدار احكام قضائية، لأنها من اختصاص القاضي وحده، فيمكن القول ان هناك مستشارين يتولون حاليا العمل القضائي في مجلس الدولة الذي يعد من قبيل المحاكم الادارية وهم موظفون ذوي خبرة منتدبون او اساتذة جامعيون للعمل بالسلك القضائي ولا اشكال على ذلك من الناحية القانونية ، يضاف الى ذلك ان المستشار او المنتدب سواء أكان استاذا جامعيا او موظفا تنفيذا سوف يمنح صلاحية القضاء بموجب قانون نافذ واستنادا الى الدستور .

10.                هناك غموض ونقص كبير في اختصاص المحكمة الاتحادية، وهل لها صلاحية الغاء النص غير الدستوري ام هي محكمة امتناع اي تمتنع عن تنفيذ وتطبيق النص او القانون غير الدستوري، وهذا الامر من الضـروري النص عليه وتبيانه في القانون سواء بالتعديل ام عن طريق صدور قانون جديد للمحكمة الاتحادية، كونه على قدر كبير من الاهمية للعملية والقانونية والسياسية.

 

التوصيات:

1.   التوصيف الدستوري للمحكمة الاتحادية العليا هي هيأة قضائية عليا  مستقلة؛ لكنها من حيث الواقع هيأة متكونة من قضاة عُينوا على وفق الامر رقم 30 لسنة 2005  والقرارات تتخذ توافقياً، لذا يجب إعادة الروح للمحكمة بعد أن تعطلت للأسباب التي  أُشير اليها.

2.   ضرورة تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا أو تعديل النص الدستوري الذي لم يشـر، لا من قريب ولا من بعيد، لمسألة الطعن بعدم دستورية القوانين، أو أن أي قانون يصدر في غياب المحكمة الاتحادية العليا يُشار فيه (إذا كانت المحكمة الاتحادية غير منعقدة لا يمكن الاحتجاج بمبدأ الحق المكتسب خلال مدة غياب انعقاده) لكيلا تثار مشاكل لاحقاً فيما لو تم الطعن بدستورية هذا القانون ومن ثم تثار إشكاليات في التطبيق العملي، وهذه المسائل تقتضـي من صانع القرار او المختص النظر في الدراسات المقارنة لكي يستشف منها ما يفيد في معالجة هكذا قضايا.  

3.   يُنبَّه مجلس النواب الى ضرورة تضمين أي تشريــع في حالة غياب انعقاد المحكمة الاتحادية بأنه لا يمكن الاحتجاج بأي حق مكتسب فيما لو تم الغاء النص القانوني الذي قد يشوبه عدم الدستورية او يصار الى قانون المحكمة بأنه لا يعمل بأي نص يمكن أن يكون فيه خللا من الناحية الدستورية في مدة عدم انعقاد المحكمة الاتحادية.

4.   هناك اختلاف كبير في وجهات النظر حيال الدور الذي يعطيه قانون المحكمة الاتحادية لخبراء الفقه الإسلامي والقانون، فهل هم محكمة في داخل محكمة ام هم فقط مستشارون ليس الا، كل ذلك بشكل عام يدعو مجلس النواب الى ضرورة توضيح مهمة خبراء الفقه الإسلامي داخل المحكمة، وهل هم فقط مستشارون ام قضاة متساوون مع بقية قضاء المحكمة الاتحادية ام هم أعلى منهم مرتبة وما هي مواصفاتهم وشروط اختيارهم وعددهم.

5.   إن اختيار خبراء الشريعة الإسلامية لعضوية المحكمة الاتحادية العليا يمكن أن يكونوا من أساتذة الجامعات ممن درسوا وخبروا القانون إلى جانب الشريعـــة وتشعبوا في الفقه الإسلامي، ومن لا يفضلون انتماءهم المذهبي على مصلحة الدولة والمجتمع في حال وجود تعارض بين الاثنين. لذا فاختيار خبراء الفقه الإسلامي من الأكاديميين وأساتذة الجامعات هو من الخيارات المناسبة. كما لا يجب اختيارهم من مؤسسات شُملت بالمحاصصة الطائفية.

6.   إن اختيار رجال دين متحيزون لمذاهبهم لا يتلاءم مع إدارة الدولة (الدولة تدار بمقتضيات مصلحتها ومصلحة المجتمع)، فمثلاً لا يمكن إلغاء النظام المصرفي لمجرد أنه يتضمن تعاملات ربوية لأن هذا النظام سينهار كلياً، أو إحالة القاضيات الى التقاعد لمجرد أن أحد المذاهب او بعضها لا يبيح للنساء تسنّم منصب القضاء. 

7.   هنالك بعض النصوص في النظام الداخلي للمحكمة تُحدِث بعض الارباك في عمل المحكمة وتطبيق قراراتها، كان ينبغي التغلب عليها من خلال الإشارة اليها في التعديل الذي اجري على قانون المحكمة؛ مثال ذلك المادة 4 من النظام الداخلي للمحكمة (بناءً على دفع من أحد الخصوم بعدم شرعية النص في أحد المحاكم ... ).

8.   ضرورة أن يحسم الجدل وبشكل صريح حول موضوعة غياب النص التشريعي الذي يتعلق بدور المحكمة ونوع رقابتها هل هي رقابة إلغاء أم رقابة امتناع (رقابة الإلغاء هي أن المحكمة عندما تصدر قرارها بعدم دستورية قانون معين يكون ملغياً، أما رقابة الامتناع فهي عندما تقرر المحكمة ان نص معين مخالف للدستور فهي تمتنع عن تطبيقه وهذا سيكون له "شوكة ادبية" لدى باقي المحاكم ومن ثم يُمتنع عن تطبيقه؛ والامتناع من الناحية النظرية لا يعني عدم العمل بالنص، بل ربما بعد فترة معينة تتغير فيها الظروف ويتم العمل به).

9.   ان استمرار قانون المحكمة الاتحادية بهذه الإشكالات يعدُّ غير نافع، كما أن التعديل الذي أجري عليه أيضا يسوده الغموض في بعض نصوصه، يُضاف الى ذلك أنه لا يمكن الطعن به (التعديل) إلا بعد ان يُصادق عليه من قبل رئاسة الجمهورية (او لا يصادق عليه) ويُنشر في جريدة الوقائع العراقية، ومن ثم يمكن الطعن به، ويكون الطعن في المواد غير المناسبة التي تتضمن إشكاليات، ويمكن لها أن تخلق إشكاليات أخرى.