من بين الوسوم التي تتصدر في العراق مشكلة الكهرباء التي لا تنتهي، حيث شهدت مؤخرا اغلب مدن العراق انقطاعا شبه تام للتيار الكهربائي مما زاد الامر على المواطن سوءا، وبخاصة مع موجة الحر الشديدة، لتبقى تلك المشكلة تدور مدار الرحى والمواطن يظل يسأل الى متى؟
وبالنظر لصعوبة الوضع المرير حاليا والفشل المتواصل في اصلاح منظومة الطاقة وازدياد حالات الفساد وتفشي فيروس كورونا، اضافة لما قام به الدواعش مؤخرا من تخريب لخطوط الضغط العالي قد يعرض ذلك البلد الى تهديد جديد مما يدعو الى الجدية في ايجاد الحل ومعالجة تلك المشكلة.
وفي هذا السِياق؛ أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوار R.C.D رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم حول ذلك الموضوع، وقد كان من ضِمن المُتحاورين كُل مِن السادَّة:

1. الدكتور طورهان المفتي| وزير الدولة لشؤون المحافظات السابق
2. السيد هاشم الموسوي ‏| عضو مجلس النواب السابق
3. الدكتور انس العزاوي| عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان
4. الدكتور عباس كاظم| مستشار في اتلانتيك كاونسل(Atlantic Council)
5. الاستاذ زيد النجار| استاذ اكاديمي
6. الاستاذ مازن الزيدي| كاتِب وإعلامي

 

وتضمَّن الحِوار الذي دارَ بينهُم ما يأتي: -

 

المداخلة الاولى للدكتور عباس كاظم: اوضح فيها بأن الحلول والطاقة موجودة ولكنّ التخطيط غائب والاجتهاد قائم على أولويات خاطئة.

 وتابع الدكتور عباس كاظم قائلا: لو ان كل منزل وضع منظومة كهرباء على الطاقة الشمسية لأصبحت لديه كهرباء مستمرة تكفيه كل شيء ويدخل الفائض في شبكة الدولة. 

واضاف أصدرت كاليفورنيا، التي عشت فيها 22 عاماً، قانوناً لا يسمح ببناء منازل جديدة ما لم تكن مجهزة بمنظومات الطاقة الشمسية.

 

وقال السيد هاشم الموسوي ‏‪ ‬‏لو تبنت الحكومة تسهيلات لتوفير هذه المنظومات من دون استغلال السوق.. مصحوبا ببرنامج تثقيفي سيكون هناك اقبال  على هذه الفكرة ...

 

فيما اكد الدكتور طورهان المفتي يجب التوجه بصورة فورية الى تجزئة المشاكل و ايجاد حل اجمالي لكل مشكلة على حدة ولكل رقعة جغرافية والعمل على لامركزية الكهرباء في الانتاج والتوزيع على شكل عقد ،كما وان السيطرة على اسعار الطاقة المحلية المنتجة من قبل المولدات المحلية مهمة جدا من خلال دعم سعر الوقود وليست زيادة حصة الوقود ، كذلك التوجه الى البدائل من الادنى الى الاعلى للوحدات الادارية قد تكون من الحلول الناجحة. واخيراً ان مسألة طاقة هي مسألة مصيرية ومتطلبات معيشة وليست حقوق معيشية وهي في نهاية المطاف مسؤولية ذات نظام تكاملي وبغير هذا المفهوم لن يكون هناك حل قريب في الافق مع الاستمرار في انجاز مشاريع انتاج وتوزيع الطاقة.

 

فيما اوضح الاستاذ زيد النجار بانه من شبه المستحيل أن يشهد العراق نهضة في ريادة الأعمال وتطور في مبادرات المشاريع الصغيرة والمتوسطة وذلك لأن الأحزاب والتيارات السياسية أغلقت الأفق بوجه تلك المبادرات!

مبينا اهم الاسباب الثلاث التي تقف حائلا امام الشباب العراقي في تحقيق مشروعه الريادي وهي: 

1) القوانين المتقادمة المتضاربة التي ليست لها فلسفة معينة أو تخضع لتوجه تنموي معين.

2) الجهاز الإداري الذي ينخره الفساد والمحاصصة وضعف المؤهلات بشكل لا يصدق.

3) العامل الثالث والأهم اللجان الاقتصادية للتيارات والأحزاب السياسية، والتي تقف بالمرصاد لكل المشاريع المبدعة لتفشلها أو تسطو عليها، والتي امتدت أذرعها في كل مفاصل الحياة وكل أجهزة الدولة.

والكلام يشمل كل الطبقة السياسية، الكل...

- قوى الدولة وقوى اللا دولة.

- المصلحون والمفسدون.

- السنة والشيعة.

- الدولة الاتحادية والإقليم, الكل!!

في مثل هذه البيئة المريضة، كيف يمكن توقع نشوء شركات صغيرة/متوسطة بمبادرات فردية وبتمويل منصف لتسويق منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات اقتصادية/اجتماعية/خدمية؟!

وتابع النجار: في أحد الاجتماعات قال لي أحد أصحاب رؤوس الأموال (بعد نقاش حاد)... أنت أكاديمي وأنا أملك المال.... أنا أستطيع أن أشتري 100 أكاديمي بمالي وأنت لا تستطيع أن توفر المال لتنفيذ أفكارك!! منطق هذا الرجل بسيط... هو يعلم أنني لا أشارك في مزاد العملة، ولا أعمل بغسل الأموال وتهريب العملة، ولا أحكم وزارة من الوزارات المهمة، ولست تابعاً ذليلاً لأحد القادة السياسيين من ذوي الدماء الزرقاء، ولا أحظى بدعم مسلح، فلا حيلة لي (كما يظن) إلا بالرضوخ لأمثاله!!

هذه مسيرة تدميرية لكل الطاقات الشبابية في هذا البلد، ابتدأها البعث، وشد عضدها المقبور صدام، وأحكمت نجاحها الطبقة السياسية الحالية، وبالتالي لا يمكن أن ننتظر من هذه الطبقة السياسية أن تنقذ أو تصلح ما شاركت في تدميره.

 

 تعقيبا على ما ورد في مداخلة الاستاذ زيد النجار قال الدكتور عباس كاظم ان ذلك ليس مشروعاً فردياً، بل هو مشروع على مستوى قدرات الدولة. يمكن أن تنفذه شركات كبرى عن طريق الاستثمار. 

من الصعب على كثير من المواطنين دفع كلفة المنظومة، لذلك يمكن أن يكون تنفيذها عن طريق دعم من الدولة أو نظام التقسيط (يدفع المواطن قسطاً يساوي الفاتورة الشهرية حتى يسدد ثمن المنظومة وبعدها تكون ملكه)، أو الجمع بين الدعم والتقسيط. 

كلما توسعت التغطية قل الضغط على منظومة الكهرباء الوطنية.. لم تعد كلفة الطاقة الشمسية كما كانت في السابق بسبب تقدم التكنولوجيا وكفاءة الإنتاج. 

موضحا لقد بدأت ولاية كاليفورنيا بتقديم التسهيلات المالية للمواطنين في بداية التسعينيات حين كانت الكلفة كبيرة جداً وتبنّت حملة توعية كبرى  واليوم بدأت تقطف ثمار تلك الحملة. 

يمكن للحكومة العراقية أن تتحالف مع مستثمرين كبار في هذا المجال (شركات أو دول)، وهذا أحد الحلول لأزمة الكهرباء.

 

واوضح الاستاذ زيد النجار اولا: ان ما قلتُه عن معرقلات المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يقتصر عليها بل يمتد للمؤسسات الصناعية الكبرى، بل إن تقادم القوانين وضعف وعدم أهلية الجهاز الإداري وتغول اللجان الاقتصادية للأحزاب يضر بالشركات والمستثمرين الكبار أكثر ربما مما يضر بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ثانياً: دلني على شركة كبيرة في العالم بدأت شركة كبيرة، كل الشركات العالمية الكبرى (عدا عن الشركات الحكومية) بدأت مشروعاً صغيراً أو متوسطاً. لا يمكن أن ترى في العراق شركات كبرى تستطيع أن تقدم حلولاً مناسبة للمشاكل الكبرى التي تعصف بالعراق في بيئة العمل المريضة الحالية التي لا تمكّن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من العمل بنجاح وكفاءة، بعيداً عن الابتزاز والعرقلة. 

ثالثاً: المشكلة ليست مشكلة كهرباء فقط، انما هي مشكلة بلد لم تعد منظوماته الإدارية والسياسية والأمنية والاجتماعية تعمل بفاعلية، ولا يمكن حل مشكلة الكهرباء بمعزل عن مشاكل البلد. 

وأخيراً الحكومة لا يجب عليها أن تقوم بالانتاج، ولا تصنّع، ولا تزرع، هذه الأفكار ثبت فشلها وماتت منذ عدة عقود. الحكومة يفترض أن تنظم، وتراقب، وتحاسب، وتتدخل عند الحاجة، وليس في كل صغيرة وكبيرة، فأين هي القوانين التي تنظم، وأين هي الأجهزة التي تراقب وتحاسب، وأين هي الخطط التي تحدد متى تتدخل الحكومة؟!!

في غياب كل هذا يصبح الحديث عن حلول كبرى أقرب للترف الفكري منه إلى الواقع العملي.

 

فيما اثنى الدكتور انس العزاوي: على ما اشار اليه الدكتور عباس في مداخلته.. واضاف على ذلك بان الاردن ايضا" في السنوات الخمسة الاخيرة اعتمدت الدعم على الفاتورة وتشجيع منظومات الطاقة الشمسية بالتعاون مع القطاع الخاص وبدأت مؤخرا" بشراء الفائض من انتاج الطاقة من المواطنين ...

 واعتقد حل ناجح ضمن للأردن استيعاب الزيادة السكانية وبضمنهم اللاجئين العراقيين والسوريين.

ولاشك ان الحلول الانية الميدانية مطلوبة !!! ولكن علينا التفكير بحلول للاستدامة .. الخطأ الذي وقعت فيه الحكومات المتعاقبة ووزرائها المعنيين بملف الطاقة اعتماد الحلول الترقيعية دون التحول الى برامج الاستدامة وهذه النتيجة 18 عام + 80 مليار دولار مهدور = طاقة كهرباء معاقة ؟؟؟ 

 

كما لفت الاستاذ مازن الزيدي الى ان الهجمات تصاعدت منذ ايار الماضي.. والمفروض وجود حماية للطاقة وان تأخذ الجهات الامنية بما فيها الاستخبارات دورها بمنع هكذا هجمات.

 

التوصيات:

1- ضرورة انهاء الهيمنة الحاصلة من قبل التيارات والاحزاب السياسية على كل مفاصل واجهزة الدولة تفاديا للفشل الحاصل في اغلب المشاريع من ضمنها الكهرباء.

2- تشجيع استخدام ووضع منظومة كهرباء تعمل على الطاقة الشمسية، على ان تتبنى الحكومة التسهيلات في توفير تلك المنظومات.

3- ضرورة التفكير بالحلول ومنها تحالف الحكومة مع كبار المستثمرين في مجال الطاقة، تلافيا للهدر الحاصل لمئات المليارات التي انفقت للحلول الترقيعية من قبل الحكومات المتعاقبة على ملف الطاقة منذ عام 2003 والى الان.

 

 

قراءة / تحميل