جدلية تعديل قانون الأحوال الشخصية: مصلحة الأسرة أم مصالح أخرى
عقد مركز الرافدين للحوار ندوة الكترونية تحت عنوان "جدلية تعديل قانون الأحوال الشخصية: مصلحة الأسرة أم مصالح أخرى"، في يوم الثلاثاء الموافق 10 آب/أغسطس 2021 على المنصة الالكترونية ZOOM استضاف فيها نخبة من الأكاديميين والمتخصصين في قانون الأحوال الشخصية، وشؤون المرأة، والأسرة، والمجتمع. وأدار الندوة رئيس هيأة المستشارين في المركز الأستاذ الدكتور أحمد سامي المعموري. وناقش المتحدثون، من خلال الأوراق التي قدّموها، أبرز المسائل التي تتعلق بقانون الأحوال الشخصية والمواد المهمة والحساسة فيه، والظروف التي سبقت ورافقت إصداره، والتوجهات السياسية في مجلس النواب لتعديله، فضلاً عن الخوض في تأثير هذا القانون على المحضون (الطفل) بشكلٍ خاص والأسرة والمجتمع بشكل عام.
وفي ادناه الأوراق التي نُوقشت في الندوة وأبرز ما جاء فيها:
1. مشروع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959: رؤية قانونية.
أ.د ميري كاظم الخيكاني / عميد كلية القانون - جامعة بابل.
2. نظرة تاريخية لقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959والظروف التي رافقت إصداره.
أ.د. حيدر نزار السيد سلمان / مؤرخ وأكاديمي ورئيس مركز الدليل للدراسات.
3. الحقوق التي اكتسبتها المرأة في ظل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ومقارنتها مع حقوق المرأة في الاتفاقيات والمدونات الدولية.
السيدة سهاد الخطيب / تربوية ومديرة رابطة المرأة العراقية في النجف الأشرف.
4. الواقع الاجتماعي ومشاكل الأسرة وتحديات معالجتها: رؤية اجتماعية.
أ.د ماهر الخليلي / باحث وأكاديمي.
الاستنتاجات:
1. قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 هو قانون وضعي، مثله مثل أي من القوانين والتشريعات الوضعية الأخرى، ومن ثم، فهو يحتمل الصواب والخطأ وفيه من السلبيات والايجابيات ما يجعل بعض الفئات مؤيدة لتعديله وأخرى معارضة.
2. إن محاولات تنظيم الأحوال الشخصية في العراق مرت بمراحل؛ ففي عام 1887 - إبان الاحتلال العثماني للعراق - صدرت "مجلة الاحكام العدلية" ومن خلالها كان يتم تنظيم الأحوال الشخصية التي كانت تسمى آنذاك (الاحكام الشرعية)، وكانت المعالجات التي تطرحها هذه المجلة جُلّها تستند إلى المذهب الحنفي، دون غيره من المذاهب الأخرى في الدين الإسلامي.
3. أصبح مصطلح "الأحوال الشخصية" متداولاً بعد صدور كتاب (الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية) لأحد المختصين وهو (محمد قدري). وبعد صدور أول دستور للدولة العراقية عام 1925 والذي سُمّيّ بالقانون الأساسي العراقي؛ تم تنظيم الأحوال الشخصية وما يتعلق بها من خلال ما سُميّ بـ "قانون القضاء الشرعي".
4. ان المدة التي سبقت إقرار قانون رقم 188 لسنة 1959، وتحديداً بين عامي 1921 – 1959 ، وهي التي ساد فيها "قانون القضاء الشرعي"، جرت عدة محاولات وتحسينات لرأب الصدوع التي أحدثها هذا القانون في عملية تنظيم الأحوال الشخصية، بوصفه قانون غير منصف ولا يراعي متطلبات المذاهب والفئات التي يتكون منها المجتمع العراقي في تلك الفترة. إلا أن هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح بصياغة قانون لتنظيم الأحوال الشرعية.
5. واجه قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، عند تشريعه، عدة مشاكل ومعوقات بوصفه قانوناً يحاكي القوانين والمواثيق الدولية المعاصرة، ويحتوي على مضامين مدنية، ومن أبرز هذه المعوقات: ثقافة المجتمع السائدة، والرافضة لكل ما هو حداثوي أو جديد، ورفض زعماء العشائر، ورجال الدين، فضلاً عن تناول هذا القانون مسائل تتعارض مع بعض الأحكام الشرعية المسلّم بها مثل قضية الميراث، وتعدد الزوجات، والفحص الطبي، وغيرها.
6. تأسس القانون على قاعدة حضارية وإنسانية، واشترك في إعداده أوساط علمية، ودينية، وثقافية، وقانونية، ومنظمات مجتمع مدني (رابطة المرأة العراقية)، وساهمت الأخيرة في إخراجه الى النور لا سيما جهود رئيستها، آنذاك، الوزيرة نزيهة الدليمي التي ساعدت بتسهيل عبور القانون مراحل تشريعه والمصادقة عليه ومن ثم إقراره.
7. هناك بعض القضايا التي تسببت في عدم التوافق بين قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وبين ثوابت الأحكام الشرعية عند فقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم، ومن أبرز هذه القضايا ما يتعلق بالمادة (57) التي تتناول: مدة حضانة الطفل (سواء أكان بنت أو ولد)، وشروط الحاضن، وعمر المحضون، والحالة الزوجية للأم، فضلاً عن النصوص التي تتناول مسألة تعدد الزوجات، وقضية المشاهدة ...الخ.
8. مشروع التعديل المزمع أجزاؤه على القانون يعدُّ، من قبل فئات ومنظمات، ومنظمات نسوية خصوصاً (لا سيما منظمة المرأة) محاولة للنيل من حقوق المرأة والطفل، ومقدمة لإجهاض حقوقهما. كما يعدُّ بحسب جزء من الحقوقيين والمراقبين تراجعاً في مسألة تنظيم العلاقة بين أفراد الأسرة والأحوال الشخصية لإفراد المجتمع بكل عام.
التوصيات:
1. على المشرَّع الذي يقوم بتعديل او تشريع القوانين أن يتجرد عن انتمائه الضيّق، وأن يأخذ بنظر الاعتبار المصلحة العامة، وأن يكون ملماً، ومقدراً للظروف الاجتماعية السائدة، وأن يستند على قاعدة معلومات وبيانات كاملة، وذو إطلاع على مختلف القوانين التي طُبقت وستطبَّق، من ثم، على عامة الشعب. كما يجب أن تؤخذ الفئة المُشرّع لها القانون (التي يستهدفها القانون) بعين الاعتبار؛ إذ لكل فئة لها ظروفها ومناخاتها، وأي تشريع يخصها يجب ان يكون لها فيه دوراً محورياً.
2. التعديل يفترض أن يكون خطوة نحو التقدم ومواكبة التطورات التي تطرأ، والقوانين التي تُسَن، والمواثيق واللوائح الدولية ذات الصلة التي تصدر من مؤسسات دولية معتد بها. وأن يكون مدفوعاً بالتطورات والأوضاع الحقوقية للأسرة، للوصول بتنظيم الأحوال الشخصية نحو الأفضل.
3. يجب أن يأخذ أنصار تعديل القانون رقم 188 لسنة 1959 بنظر الاعتبار أن العراق موقِّع على أعراف ومواثيق واتفاقيات دولية تتضمن حقوق المرأة والطفل وهو مُلزم بتطبيقها مثل: اتفاقية سيداو للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وقرار مجلس الأمن رقم 1325 في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2000 حول المرأة، والسلام، والأمن، وغيرها.
4. ضرورة إعادة النظر في موضوع المشاهدة؛ لأنه لا يقل أهمية عن موضوع الحضانة، وتغيير الإجراءات التي تتعلق بذلك وتنظيمها تنظيماً قانونياً وتكون أكثر انصافاً للطرفين ويراعى فيها أمور أبرزها: الابتعاد عن إقامة المشاهدة في المحاكم، لما يترتب على ذلك من آثار سلبية لا سيما على المحضون والأسرة بشكل عام، ويجب زيادة عدد مرات المشاهدة بين الأب وطفله، او الأم وطفلها، وقضاء المحضون ليلة او ليلتين كل أسبوع او شهر مع الأم أو الأب.
5. فيما لو تمت الموافقة على إجراء تعديل على القانون، يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار الأمور الآتية:
أ. مراعاة حقوق الطفل ومصلحته.
ب. إبعاد النساء عن العنف وتبعاته.
ت. منع تسلط الرجل بأي شكل من الأشكال، وتحديد رادع له إن حصل ذلك.
ث. أن المرأة لها الحق بالزواج بعد طلاقها، وفي بعض الأحيان فإن حرمانها من حضانة طفلها يجعلها تضطر الى عدم الزواج.
ج. الأخذ بنظر الاعتبار الأسباب التي دفعت الفئات المناهضة للتعديل: منظمات نسوية، منظمات مجتمع مدني، نقابات.. الخ.
ح. إشراك الفئات الآتية في المشورة: كليات القانون، القضاة، المحققين العدليين، الشرطة المجتمعية، منظمات المجتمع المدني.
6. إن تشريع القوانين أو إجراء التعديل عليها إذا لم يكن بمستوى طموحات المواطنين، سيدفع جزءً غير قليل منهم للّجوء الى الوسائل الأخرى لحل مشاكل أُسرَهم، لا سيما الوسائل العشائرية بطرق، وأساليب، وحلول غير مناسبة لمصلحة الأسرة، وهذا لا يصب في مصلحة بناء الدولة واحترام القانون.
7. تثبيت حماية حقوق الطفل في الدستور، من خلال إصدار قانون خاص بحقوق الطفل ينسجم مع الأعراف والمواثيق الدولية ذات الصلة. ويجب الاهتمام بالقوانين التي لا يحط تعديلها او تشريعها من سمعة العراق الدولية.
8. نعاني اليوم من أزمة تطبيق لعددٍ غير قليل من القوانين، لذا؛ فإن المعالجات ليس بالضرورة تكون عن طريق الذهاب الى تشريع قوانين بمجرد أن نواجه مشكلةٍ ما، بل هنالك معالجات تكمن في تعديل بعض الإجراءات، او الآليات التي يتم من خلالها تطبيق قانون معين.
9. يجب التسليم بأن المشاكل لا تكمن جميعها في القانون، بل جزء منها آتٍ من الطبيعية الاجتماعية للمجتمع، والأعراف السائدة. ومن ثم يجب إعادة تنظيم المنظومة الاجتماعية برمتها.