لا يزال المشهد السياسي العراقي فاقدا للبيئة الحاضنة منذ اعلان النتائج والى الآن ، وذلك بسبب اغراءات السلطة والسعي نحو المنافع وتحصيل اكبر قدر ممكن من المكاسب، وبالنظر لتلك الظروف المحيطة بالعملية السياسية يتحتم علينا السعي الجاد من اجل مصلحة البلد وايجاد بيئة سياسية هادئة تستبعد فيها كل نقاط الخلاف.
وللحيلولة دون تعطيل وتأخير عمل الحكومة والسلطات الدستورية الأخرى دعا البعض الى ان يكون معيار التوافق وهدفه هو مصلحة العراق شعباً ودولةً وسيادةً، وان لا يكون التوافق فخا يطيح بالعملية السياسية برمتها.
وفي هذا السِياق؛ أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوار R.C.D رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم حول ذلك الموضوع، وقد كان من ضِمن المُتحاورين كُل مِن السادَّة:

1. الدكتور جواد الهنداوي| رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات/ بروكسل
2. الاستاذ كريم النوري| وكيل وزير الهجرة والمهجرين
3. الاستاذ سعد الراوي| نائب رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات السابق
4. الاستاذ ثائر الدليمي| رجل اعمال
5. الاستاذ ساطع راجي| باحث وكاتب
6. السيدة نوال حامد الموسوي‏| كاتبة وصحفية

وتضمَّن الحِوار الذي دارَ بينهُم ما يأتي: -

 

تحدث في المداخلة الاولى الدكتور جواد الهنداوي‏:  ينبغي أن نتمسك ونطبّق مبدأً سياسياً و اخلاقياً عنوانه لا شيء يعلو على مصلحة العراق دولةً وشعباً.

فكل شيء يهون من اجل مصلحة العراق وينبغي ان تكون بوصلة التنافس الحزبي والسياسي والمناطقي هي مصلحة العراق.

ولا تقرّر نتائج الانتخابات وحدها ، في النظام السياسي البرلماني و التوافقي، كما هو الحال في العراق، تشكيل الحكومة والسلطات الدستورية الاخرى (رئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية)، يجبُ اقتران النتائج بآلية التوافقات السياسية : اي ، يجبُ تكييف النتائج و تطويعها بآلية التوافق السياسي لتشكيل الحكومة والسلطات الدستورية الاخرى.

لقد أظهرت نتائج الانتخابات حصص الاحزاب والتيارات السياسية والاخرين من اصوات الناخبين، والتفوق الذي يحظى به حزب على آخر يمنحُ الحزب أرجحية التصويت في مجلس النواب، وارجحية الرأي و القرار ، و ينصهر هذا التفوق ، في نهاية الامر ،في بوتقة التوافق .

غاية ما تقدّم  هو القول، بأنَّ نتائج الانتخابات ،نزيهةً كانت او يعيبها خطأ او تزوير، ليست هي الحاسم الاساس في تشكيل السلطات الدستورية ، التوافق السياسي بين المكونّات الاساسية والاخرى للشعب العراقي ، والمُتمثلة ( واقصد المكونات ) بالأحزاب والتيارات والكُتل والشخصيات السياسية ، هو العامل الحاسم .

سيهون كل شيء ، عندما تدرك الاحزاب السياسية بأنَّ معبرْ التوافق ، والذي يلي النتائج ،اهم بكثير من النتائج . ايماننا بالتوافق و تعويلنا عليه سيكسبنا الوقت في تشكيل الحكومة ، والحيلولة دون تعطيل وتأخير عمل الحكومة والسلطات الدستورية الأخرى.  وينبغي ان يكون معيار التوافق وهدفه هو مصلحة العراق شعباً ودولةً وسيادةً.

 

وقال الاستاذ كريم النوري: من يحدد مصلحة العراق وما هي معايير هذه المصلحة؟ هل مصالح الاحزاب ومصالح الدول الاقليمية هي بوصلة مصلحة العراق؟ هل التوافق السياسي يمثل مصلحة العراق بينما لا تمثل ارادة الناخب هذه المصلحة؟ وعلى وفق التوافق السياسي الذي جربناه منذ٢٠٠٣ الى اليوم فلا تطور ولا تنمية ولا ازدهار .. كانوا يقولون التغيير ليس بحرق الاطارات والسلاح وانما بالانتخابات كخيار حضاري ديمقراطي بينما اليوم يعودون للتغيير من اسوء خياراته التي رفضوها .. الفساد محمي بمنظومة التوافق السياسي وتعطيل البلاد بالتوافق السياسي.

 

من جانبه اكد الدكتور جواد الهنداوي بان التوافق ينبغي ان يكون من اجل مصلحة العراق، إذ لا يمنحنا النظام السياسي آليّة اخرى غير التوافق ولكن ينبغي استخدامها بالشكل الصحيح.

 

وتابع الاستاذ كريم النوري تعقيبا على المداخلة الاخيرة اتفق معكم ١٠٠٪ وافتراضكم في محله ومع الاسف التوافق السياسي ارتكز في تحقيق مصالح الاحزاب وليس مصالح الوطن والمواطنين .. وكان ينبغي الذين يتباكون على ضياع اصواتهم المشتتة بسوء التوزيع ان يكون سبب بكائهم لانهم محرومون من فرصة خدمة العراق وشعبه وهذا مدعاة للفخر وهو بكاء في محله، بينما الواقع خلاف ذلك فمن يعشق العراق ويبكي على استقراره لا يهدد استقراره بسبب تشتت اصواته.

 

وفي مداخلة السيدة  ‏‪نوال حامد الموسوي‏:  ردا على المداخلة الاولى للدكتور جواد الهنداوي‏ قائلة: اعتقد ان نظرتك قد غاب عنها الحراك الجماهيري الذي انتفض قبل سنتين ضد النظام السياسي المبني على التوافق الخاطئ والذي لم ينتج عنه اي تقدم للبلد، ولا ننسى ان النظام السياسي برمته وصل الى مرحلة الانهيار لولا تدارك الامور واجراء انتخابات لتعديل العملية الديمقراطية المنقوصة بسبب التوافق وحكومات الشراكة الوطنية سيئة الصيت.

 

تابع الدكتور جواد الهنداوي‏: النتيجة اننا سنعود الى التوافق .. اكتب واقع حال وقد لا يرضيك و لا يرضيني ايضاً ، اجرينا الانتخابات وسيتم التوافق بعدها لان نظامنا السياسي محكوم بهذه الآلية .

علينا ان نعمل ونكتب كي تكون بوصلة التوافق هي مصلحة العراق وخدمة شعبه و الدولة .. تقولين .. " لو لا تدارك الامور و اجراء الانتخابات لتعديل العملية الديمقراطية المنقوصة " . ايُ تعديل ؟

وهل نستطيع تشكيل حكومة دون التوافق بين المكونات ؟ ودون الشراكة ؟ لننتظر ونرى ! لنكتب من اجل حثّ القوى السياسية من اجل اهداف وطنية مثل:  البناء ، التنمية، العدل، تكافئ الفرص، هيبة الدولة ، الترفعّ عن المحاباة والمنسوبية الخ ..

 

وقالت السيدة ‏‪نوال حامد الموسوي‏: اخشى ان يكون التوافق هذه المرة فخ يطيح بالعملية السياسية برمتها ويعود العراق الى وصاية الامم المتحدة وبدون صلاحيات.

 

واوضح الاستاذ ثائر الدليمي: ان الاصرار من قبل البعض على هذا النقاش يذكرني بمثل قديم : وعرف الماء بعد الجهد بالماءِ ... يعني بعد ١٩ سنة و خمس دورات انتخابية و ٦ رؤساء وزراء… و يريدون ابقاء نظرية قسمة الكعكة .  شلون، ليش

 

"حلقة مفرغة"

اضافت السيدة ‏‪نوال حامد الموسوي‏: اننا ندور بذات الدائرة حسابات فرعية لا تخطيط و لا رؤية بعيدة المدى تواكب التغيير الاقليمي والدولي من حولنا.

 

وبيَّن الدكتور جواد الهنداوي‏: انا شرحت وبيّنت ما ستؤول اليه الامور وهي (اي الامور)ستذوب في بوتقة التوافق، اي الاعتراضات على نتائج الانتخابات و التظاهرات والاحتجاجات لن تغيّر من مُعطيات العملية السياسية و آلياتها القائمة اصلاً على " التوافق " .

وقلت ليس العيب في آليّة التوافق وانما في تطبيقها ..  اغلب الدول الديمقراطية  تسير على نهج التوافق لكن الفرق هو في تلك الدول قانون يحكم واخلاق تحكم .. العيب ليس في الاناء ولكن باستعمالات الاناء، يمكن ان تستعمله لشرب الماء و يمكن ان تستعمله ايضاً لشرب الخمر .. ا

 

وقال الاستاذ  سعد الراوي: الكل تنتظر نتائج الانتخابات وانتهاء تشكيل الحكومة ولكن لا احد يتوقع ما اقره القانون الانتخابي في احكامه الختامية.

 حول موضوع تأخر نتائج الانتخابات بيَّن الاستاذ ثائر الدليمي بانه بات ظاهرة منتشرة في العديد من بلدان العالم المتقدم او المتأخر .

و هي محسومة في توقيتاتها في البلدان الشمولية و الدكتاتورية و التي تكون نسبة التصويت للقادة الضرورة ١٠٥ ٪  و نسبة المصوتين له بنعم لا تقل عن ٩٨٪  .

فلقد تأخر العد و الفرز في اميركا مطلع العام و في اسرائيل أعيدت لتقارب النتائج و في تركيا وهناك العديد ايضاً .

على اية حال الحكومة مستمرة بعملها بشكل افضل. و مزاد العملة مستمر و الموانئ مازالت تصدر النفط و تستقبل البضائع و المولات مليئة بالمتبضعين و الرواتب تدفع كل اخر شهر و المطار مفتوح و السفر حسب الاصول .. الخ، أين المشكلة اذا تم تشكيل الحكومة الاسبوع القادم او الاسبوع الاخير من السنة بعد القادمة وليس القادمة فقط.

 

واوضح الاستاذ سعد الراوي: بأنه لا توجد لدي مشكلة حول موضوع التأخير، ولكن عرجت على القانون الذي فيه فقرات غير قابلة للتنفيذ واخرى متناقضة وفقرات كثيرة مبهمة .. الخ.

اما تأخير تشكيل  الحكومة من عدمها مرهون باتفاق السياسيين وليس بنصوص قانونية او دستورية او نطبق ما يجري بالدول الاخرى.

 

وفي المداخلة الاخيرة للاستاذ ساطع راجي: قال ان اي انتخابات تنتهي وتعلن نتائجها الاولية ومع ذلك لا يعرف الناس من سيكون رئيس وزراء، هذه عملية نصب واحتيال وليست عملية ديمقراطية.

النظم البرلمانية كثيرة، ومنها ما يشبه العراق كثيرا ومع ذلك تتقدم الاحزاب الكبيرة للانتخابات وهي تعلن مقدما من هو مرشحها لرئاسة الحكومة، وما هي اهم القوانين التي ستعمل على تشريعها في البرلمان والقرارات التي ستتخذها عبر الحكومة التي ستقودها.

الاحزاب التي تقدم اكثر من مرشح لرئاسة الوزراء ثم تقبل بوزارات او هيئات، مثل نصاب قديم يلعب بأوراق قمار مزيفة.

تعتقد القوى السياسية ان المواطنين ليسوا بهذا المستوى من الوعي الذي يميز بين الحزب السياسي وشركة النصب، لكن المواطنين يبعثون عبر رسالة المقاطعة معلومة بسيطة للقوى المتنافسة جميعا: انتم نصابون لا اكثر.

              

الاستنتاجات:

- ضرورة اتفاق جميع السياسيين في تشكيل الحكومة، والابتعاد عن كل ما يزيد من حدة الازمات وعدم التمسك بمفاهيم ورؤى حزبية ضيقة، فمهما تكن نتائج الانتخابات نزيهة او غير نزيهة ليست هي الحاسم، بل التوافق السياسي بين المكونات هو العامل الحاسم.

- مستوى الوعي لدى المواطنين كان بمثابة صدمة للقوى السياسية جاء ذلك عبر رسائل المقاطعة نتيجة لما وصل اليه البلد من عدم الاستقرار والتجاذبات والصراعات السياسية.

- التوافق السياسي لا بديل عنه من خلال تجارب الدول الديمقراطية التي شهدت صراعات سياسية وسارت عليه وفقا لقانون واخلاق كانت هي الحاكمة.

قراءة / تحميل