العولمة والتطور التكنولوجي المرتقب وواقع التعليم في العراق في نقطة حِوار بين أعضاء مركز الرافدين للحوار-RCD
ولفت آخرون بأن العراق ليس بمعزل عن العالم بل هو في قلب الشرق الوسط وفي موقع جغرافي قريب من ثلاث قارات حيوية يحتاج ان يرى ما في الافاق. واشار البعض الى عدم جعل الشهادات العليا مكرمة سياسية حزبية.
وفي هذا السِياق؛ أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوار R.C.D رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم حول ذلك الموضوع، وقد كان من ضِمن المُتحاورين كُل مِن السادَّة:
1. الدكتور لقمان الفيلي| سفير جمهورية العراق لدى جمهورية المانيا الاتحادية.
2. الاستاذ محمود التميمي| رئيس مجلس الخدمة الاتحادي
3. الدكتور عباس كاظم | مستشار في اتلانتيك كاونسل(Atlantic Council)
4. الاستاذ جمال الاسدي | مستشار في وزارة التجارة
5. السيد مضر الحلو| كاتب ومفكر اسلامي
6. الدكتور دياري صالح | تدريسي في كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد
7. الاستاذ ماجد الساعدي | رئيس مجلس الاعمال العراقي في الاردن
8. الدكتور احمد الميالي| استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد
وتضمَّن الحِوار الذي دارَ بينهُم ما يأتي: -
المداخلة الاولى للدكتور لقمان الفيلي تحدث فيها: ان العراق كدولة ليس بمعزل عن المتغيرات العالمية، إذ هو ليس في جزيرة نائية على أطراف العالم، بل في قلب الشرق الوسط وفي موقع جغرافي قريب من ثلاث قارات حيوية. فسيحتاج العراق ان يرى ما في الافاق، مثل الثورة الصناعية الرابعة، وما تطلبه من مهارات مطلوبة قادمة، خصوصا مع واقع العولمة والتطور التكنولوجي الهائل، لجعل برامجه التعليمية والمهنية ملائمة لمستلزمات السوق المحلية والعالمية. الشيء نفسه بخصوص الحاجة الى دعم ريادة الاعمال والابتكار وتعلم اللغات الحيوية الأجنبية والذي في الأعم الاغلب سيعتمد على قطاع الشباب. وعليه، لا يكفي ان تنتج المؤسسات التعليمية شبابا له معرفة محدودة في علوم معينة جامدة، بل يحتاج الى تهيئته ليخرج من جموده ويواكب التطورات العالمية المتسارعة، متسلحاً بمهارات متنقلة وقابلة للتعايش والتطور مع الزمن. فدور الدولة الاساس هو خلق أجواء ومهارات العمل لهؤلاء الشباب وليس في تعيينهم في منظومة اشبه ما تكون الى تعيينات بديلة عن ضمان اجتماعي مبطن تحت طائلة التعيين لذات التعيين فقط.
ومن الضروري عدم اعتماد الشباب والموظفين على الغير، كالدولة مثلاً، في تطوير مهاراتهم الشخصية، والشيء نفسه بخصوص مسؤوليات ارباب العمل تجاه العاملين لديهم. فمسؤولية البناء لا تقع على طرف واحد فقط، ولا يمكن ان تنجح بمشروع تغييري صغير هنا أو هناك، بل هي أقرب الى مشاريع وطنية كبيرة معنية بتطوير قدرات الكل استعداداً للقادم في المستقبل من تكنولوجيا لا نعرف بعد كيف ستغير حاضرنا. ومع تقويم الواقع وتزامنه مع سرعة التغيير السريع للثورة الصناعية الرابعة وآثارها الواسعة، فإن المشّرعين والمخططين والوزارات والجهات التنفيذية يواجهون الآن تحديات بدرجة غير مسبوقة وعليهم ان يثبتوا أنهم قادرون على التصدي لمثل هكذا تحديات. ويجب ان يدركوا ان قطار الثورة الصناعية الرابعة يسير بسرعة وله تأثير واضح في الحدود البيئية، والعلاقات الجيوسياسية والاقتصادية، والعقود الاجتماعية، والاختلالات التكنولوجية (المتغيرة بشكل كبير)، وهنا يجب أن ننظر الى هذه التحديات ليس كتحديات سياسية تقليدية فقط بل هناك بُعد اجتماعي واقتصادي لا يقل شأناً عنها. وهنا تأتي أهمية تطوير المؤسسات التي تقود المجتمع لتواكب هذه الثورة في جميع أجواء العمل مثل تطوير نظم الملكية الفكرية، أو قوانين العمل، أو التجارة لتكون أكثر انفتاحاً ومواكبةً للقادم السريع.
ان المخاوف الحقيقية هي ليست في عمق التحدي فقط، بل في تعارض المصالح عند قيادات البلاد، إذ كثيرا ما ينظر إلى القادة على أنهم من أصحاب المصالح الراسخة في الوضع الراهن، وغير قادرين (أو راغبين) إما على إدراك أهمية تأثير المتغير القوي في الاقتصاد والمجتمع أو صياغة استراتيجية ذات مصداقية لتسخير هذا المتغير الجديد (قطار الثورة الصناعية الرابعة) لصالح المجتمع ككل.
وقال الاستاذ محمود التميمي: لا مواكبة بلا عدالة وتعليم وكل شيء قبل ذلك استهلاك حبر وورق أو بطارية الجهاز الذي تكتب به الافكار، وما خفي عن واقع التعليم، وتحديدا الجامعات.
اوضح الدكتور دياري صالح قائلا: كان أعظم مرارة مما يمكن للأرقام ان تشير إليه. مؤسسات بيروقراطية لا يمكن لها أن تهيئ ظروف مناسبة للإبداع العلمي. قادة، برغم فشلهم المريع، مدعومون حزبيا للهيمنة على الجامعات وامتهان كرامة التعليم. قادة أكاديميون بالعناوين فقط. الحقيقة ان كثير منهم حول المؤسسات الى مرتع للعشيرة والمليشيات التي تحميهم. مكاتب فخمة وحمايات وسيارات حديثة ومرتبات عالية وامتيازات لا حدود لها وكثير منهم لا هم له سوى كيف يصبح وزيرا للتعليم في قادم الايام. لذلك لن يهتز لهم ضمير امام هذه الارقام. بدلا من ذلك سيلقون باللوم على الاخرين، وسينتقمون ممن يمارس النقد، لانهم باتوا يتصورون بانهم مقدسون ولا يجوز انتقادهم!. تتكاثر الجامعات في العراق وتتكاثر معها الشهادات والبحوث، وفي المقابل تتكاثر بشكل أكبر، بطريقة مالثوسية، القيم التي يفترض بالجامعة ان تسهم في تغييرها!
وقال الاستاذ جمال الاسدي: يقال إذا أردنا أن نعرف مقدار تقدم الدول وتطورها فيمكن أن نستدل على ذلك قياساً بنسبة تعلم أبنائها ونوعية هذا التعليم وهكذا تقاس المجتمعات المتطورة بتعلم أبنائها ومستوى هذا التعليم وتطوره. وانطلاقاً من هذا المعيار تعمل الدول جاهدةً إلى وضع خطط متكاملة للتعليم تستهدف فئات المجتمع الصغار والكبار كافة، وتبدأ بتطبيق تلك الخطط بعد أن توفر البنية التحتية للتعليم من هيأة تعليمية وتربوية وإشرافية ومباني ومستلزمات التعليم باعتبار أن التعليم يعد من الأهداف الاستراتيجية للدولة.
ومن هذا المنطلق وددنا ان نبين بشكل ملخص وضع التعليم في العراق احصائياً وبدون عواطف وبالأرقام:
• يبلغ عدد رياض الاطفال 978 روضة وعدد طلابها بحدود 180 ألف طالب وطالبة، وعدد معلماتها بحدود 7500 بنسبة 24 طالب للمعلمة الواحدة.
• الابتدائية عدد مدارسها بحدود 13 ألف مدرسة وبعدد شعب تصل الى 140 ألف شعبة، وعدد طلاب بحدود خمسة ملايين طالب وطالبة، وعدد معلميهم بحدود 250 ألف معلم أو معلمة وبنسبة 20 طالب للمعلم (ة)، وبنسبة 385 طالب في المدرسة أو 36 طالب في الصف.
• الثانوية (متوسطة واعدادية) عدد مدارسها بحدود 6200 مدرسة بعدد شعب يصل الى 65000 ألف شعبة وعدد طلاب موجودين بحدود ثلاث ملايين طالب وطالبة، وعدد مدرسين ومدرسات بحدود 145 ألف مدرس ومدرسة، وبنسبة 21 طالب للمدرس (ة)، وبنسبة 483 طالب وطالبة في المدرسة أو 46 طالب في الشعبة الواحدة.
نتائج هذه الارقام توضح بأن هناك خلل واضح في اعداد المعلمين والمدرسين نسبة للطلبة والتي معدلها الحالي في العراق بحدود 21 طالب للمعلم أو المدرس الواحد بينما ان أفضل الدول في العالم تكون نسبة الطلبة الى الكوادر التدريسية تصل الى 10 (سان مارينو 1 / 6، الكويت وكوبا ولكسمبورغ 1 / 9، السويد ايسلندا وبولندا 1 / 10، عمان والسعودية والاردن 1 / 12).
وايضاً توضح هذه الارقام ان هناك خلل ونقص واضح في عدد المدارس وخاصة في المرحلة الثانوية وشيء اقل منها في المرحلة الابتدائية حيث يصل معدل الطلاب في العراق للمدارس الاعدادية الى أكثر من 46 طالب في الشعبة الواحدة وفي المدارس الابتدائية الى أكثر من 36 طالب في الشعبة بينما المعدل المتوسط الذي يفترض ان يكون هو من 24 الى 32 طالب في الشعبة الواحدة.
لذلك يحتاج العراق إذا اراد ان يبدأ في الخطوة الاساس لبناء مجتمعه بناء علمي وتراكمي الى توظيف بحدود 250 ألف معلم ومعلمة ومدرس ومدرسة في المراحل الابتدائية والثانوية حتى يصل الى المتوسط الذي يمكن ان يكون فيه التعليم ذات ناتج ايجابي للمجتمع.
ويحتاج ايضاً الى بناء بحدود 6000 الاف مدرسة أو 80 ألف شعبة جديدة لنصل الى المستوى المقبول في توفير البيئة الملائمة في التدريس والتربية والتعليم (نسبة الزيادة السنوية للطلبة 5% يعني نحتاج بناء 300 مدرسة جديدة سنوياً).
نصت المادة (34 / أولاً) من الدستور العراقي على أن «التعليم عاملٌ أساس لتقدم المجتمع وحقٌ تكفله الدولة، وهو إلزاميٌ في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الأمية». وحقيقة هذه المادة الدستورية غير مطبقة من الناحية الواقعية في كل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 الى الان وأنها مجرد حبر على ورق، لان ذلك يتطلب من الحكومات احصاءات دقيقة لمن يصل عمره الى مرحلة التعليم الابتدائي وكذلك الاليات التي تستطيع بها الدولة بأن تجعل هذا التعليم الاولي الزامي.
ان المتطلبات لتعيين 250 ألف للكوادر التدريسية وكذلك بناء 6000 الاف مدرسة تحتاج الى عقول واليات غير روتينية، ولا تعتمد على الدولة فقط في التمويل وان توجد حلول خارجة عن المألوف وبما لا يخالف نص المادة (34 /ثانياً) من الدستور والتي تنص على ان ((التعليم المجاني حقٌ لكل العراقيين في مختلف مراحله)).
ومن هذه الحلول هو اطلاق الاستثمار الواسع في مجال التعليم، وفرض ضريبة محددة (ضريبة التعليم) على كل الاستيرادات التي تستخدم في التعليم ووسائله تذهب الى صندوق دعم التعليم الذي يجب ان يتم انشاؤه، ورفع مجانية التعليم الثانوي ولو بشكل محدود عن من يتجاوز دخله مليون دينار شهرياً، والسماح لمديريات التربية بالتمويل الذاتي لدفع مخصصات اضافية أو رواتب المتعاقدين من الكوادر التدريسية عن طريق مشاريع التعليم والتطوير التعليمي أو اي مشاريع فنية أو ثقافية أو اخرى من الممكن ان تزيد من مواردها (تفاصيل كثيرة في هذا الموضوع)، وفرض رسم دعم التعليم قدره الف دينار عن كل ايراد يدخل لوصولات الدولة يتم ايداعه في صندوق دعم التعليم الذي يجب ان ينشأ.
ويقول السيد مضر الحلو: اننا بحاجة الى أكثر من ثورة على أكثر من صعيد.. التعليم.. الصحة.. الادارة.. القيم المجتمعية.. الخ.
وقال الدكتور دياري صالح: ان التغيير يبدأ بتوجيه الاهتمام من القادة الى الاستماع الى منظومة الحياة اليومية للعاملين في هذه المؤسسات. لاحقا العمل على إنتاج المعالجات. الحلول متاحة وممكنة والمستقبل بالنهاية صناعة بشرية. شكرا لهذه الاثارات الفكرية المهمة.
وحول واقع منح الشهادات العليا أصبح لدى البعض هوس للحصول عليها سواء لمن هم من العاملين في مؤسسات الدولة أو غيرهم طمعا بالامتيازات التي يحصل عليها، وليس من باب الحرص والتواصل العلمي فقد تحدث الدكتور دياري صالح قائلا: ان هوس جمع الالقاب بات مرضا يسري في جسد الدولة. الكثير من هؤلاء يريد ان يكون جامعا لكل الالقاب أو اكثرها من قبيل ان يكون هو: السيد، الشيخ، المجاهد، المفكر، الوجيه، الدكتور، المسؤول "مدير عام فما فوق".
مضيفا اتمنى ان تناقش رسائل واطاريح هؤلاء في لبنان من قبل اساتذة مستقلين من داخل العراق أو من مركز دراسات عربي أو أجنبي مستقل من خارجها! لن يسمح لأحد بأجراء هذه المراجعة، حتى من قبل أولئك الذين يدعون الى الاصلاح. على اعتبار ان اغلب الدرجات الخاصة التي يعتمدون عليهم في مؤسسات الدولة من اتباعهم ومريديهم متهمون بهذا الهوس! تحايلوا على القانون والدولة وكل الاعراف الاكاديمية وأصبحوا هم الخصم والحكم ورقاب الناس بأيديهم ومصائر الابرياء ومعاملاتهم تتوقف على توقيع من اولئك المولعين بهذا الهوس.
وقال الاستاذ ماجد الساعدي: من المخجل ان اغلبهم لم يقرأ ما كتب له من اطروحة ولا يستطيع التحدث بموضوعها وهذا مؤلم جدا ويسيء بشكل كبير للعلم والعلماء ولسمعة العراق الاكاديمية التي كنا نتباهى بها، لقد رأيت بعيني كيف يسلموا الاطروحة وثوب التخرج في باب القاعة في أحد فنادق بيروت ثم يخرج بعد نصف ساعة محتفلا بحصوله على الدكتوراه. والمؤلم جدا ان يحضر اهله وزوجته واولاده للاحتفال بشهادة مزورة ولك ان تتصور نوع الرسالة التي يوجهها لأولاده وتفكيرهم للمستقبل انها كارثة بكل معنى الكلمة.
ويرى الدكتور عباس كاظم: بان هذه المشكلة لن تحلّ أبداً إلا بقرارين، مبدئياً:
• القرار الأول: إلا يكون لحامل الشهادة حقّ في التعيين، بل تكون الوظائف معتمدة على التنافس بين الأكْفاء. في هذه الحالة لن يؤدي الحصول على شهادة عليا غير رصينة إلى وقوع ضرر على المصالح العامّة.
• القرار الثاني: أن تلغى الامتيازات الإدارية والمالية للشهادات العليا في الوظائف، فيكون جميع الموظفين في الدولة في كل درجة وظيفية متساوين وتكون الامتيازات على أساس الأداء.
حينذاك ليحصل من يشاء على شهادة دكتوراه أو اثنتين أو عشرة، من أجل الوجاهة أو أي سبب آخر.
تعقيبا على المداخلة السابقة قال الدكتور دياري صالح في مداخلته: فيما يتعلق بالقرار الاول: اغلب من يحصلون على هذا النوع من الشهادات اثناء شغلهم لمواقع متقدمة في ادارة مؤسسات الدولة يتمتعون بامتيازات وظيفية كبيرة ومهمة. الحصول على الشهادة هنا، أو بمعنى ادق شراء الشهادة، يأتي للوجاهة الاجتماعية والادارية من قبيل ان تسبق الدال اسمه اثناء التوقيع على الكتب الرسمية أو تستخدم اثناء تقديمه الى الجمهور في المناسبات العامة والحزبية الخاصة ايضا. كما أن اغلب هؤلاء يجد في الحصول بهذه الطريقة على الشهادة مدخلا مهما للعمل على تغيير دائرة العمل في المستقبل كان يصبح سفير أو قاض أو مستشار. ومن ثم فان الضرر واقع على المصالح العامة بطرق متعددة. لو تم وضع إحصائية بعدد حملة هذا النوع من الشهادات سنجد اغلبهم من اصحاب الوظائف المهمة بدرجات وظيفية مختلفة.
وبالنسبة للقرار الثاني: اود التذكير بقانون معادلة الشهادات سيء الصيت، الذي تم نقض بعض من فقراته مؤخرا. لم يفكر أحد بمساءلة الجهة/الجهات التي كانت تقف وراءه. السكوت هذا بحد ذاته يثير ألف علامة استفهام عن العقل الذي يقف وراء هذه الخطط.
سياق هذه الفضيحة الكبيرة. ماذا مثلا عن اختيار عناوين الرسائل والاطاريح؟ إلا يفترض ان يتم اقرار تلك العناوين عبر شراكة اكاديمية رصينة بين الجامعات العراقية والأخرى تجنبا لتكرار العناوين واستنساخها واعلان ذلك في موقع الكتروني خاص بهذا الغرض. وأمور اخرى كثيرة يمكن العمل على مناقشتها مطولا قبل اتخاذ قرارات انفعالية تأتي في سياق ردود الافعال. بمعنى، لو لم تتم عملية افتضاح هذا الملف، لما وجدنا اي تحرك من الجهات المعنية!
وعن التوسع الحاصل في منح الشهادة أكد الدكتور احمد الميالي بانه يجب ان يكون وفق حاجة سوق العمل فهنالك توسع عجيب في منح الشهادة دون عناء بدءاً من الاستثناءات مرورا بالتوسعات وزيادة قنوات القبول غير المبررة بحيث يقبل طالب يقرأ لكن لا يكتب وانتهاءً بالتنجيح القسري والاجباري.
واوضح الدكتور دياري صالح بان تحويل الشهادات العليا الى مكرمة سياسية مسار متعمد لتخريب هذه المساحة التي يفترض بها ان تبقى تنويرية غير حزبية تقف الى جانب المجتمع تعيد تشكيل هويته ورؤيته وتتفاعل مع همومه وتنتشله من واقعه المثقل بالانتكاسات. مؤسف ان يحصل كل ذلك دون ان يخضع لمعالجات حقيقية، وهي كثيرة لمن يرغب فعليا بإصلاح هذا الواقع.
وقال الدكتور احمد الميالي الان هنالك كوارث في منح الشهادة خلال هذه السنتين طلاب على سبيل المثال خريجي بكالوريوس لغات يذهب الى الخارج يدرس علوم سياسية أو قانون أو اجتماع يعود الى العراق يستكمل الشهادة بمواد استدراكية اولية ويمنح شهادة أو ضباط في جامعة الدفاع والاركان وغيرها خلفياتهم مختلفة يعقدون مذكرة تفاهم مع الجامعات الحكومية لمنحهم دكتوراه في اختصاص مغاير ليس له علاقة لا بالبكالوريوس ولا الماجستير ولا مكان عمله، اما الشهادات العليا الاهلية وخارج العراق فحدث ولا حرج.
وبيّن الدكتور عباس كاظم في مداخلته بان وحدة التخصص في جميع الشهادات ليست شرطاً لدى أرقى جامعات العالم. يمكن للطالب أن تكون لديه شهادة بكالوريوس في الاقتصاد أو الأدب مثلاً أو حتى علوم الحياة فيدرس لينال الدكتوراه في العلوم السياسية أو علم الاجتماع أو التاريخ.
أما الماجستير فليست شرطاً للتقديم للدراسة في مرحلة الدكتوراه. جامعات الدرجة الأولى في أميركا تقبل الطالب من البكالوريوس للدكتوراه مباشرة. تكون دراسة الماجستير ضمن دراسة الدكتوراه وللطالب أن يستكمل متطلباتها ويتقدم لنيل الماجستير أو يمتحن ويستمر في دراسة الدكتوراه من دون أن يقدم الأوراق الخاصة لنيل الماجستير. هذا ما كان لدينا في جامعة كاليفورنيا (بيركلي) وهي من الجامعات العشرة الأفضل تصنيفاً في الولايات المتحدة. المشكلة ليست في وحدة الموضوع بل في رصانة المؤسسة الجامعية التي تمنح الشهادة.
وقال الاستاذ ماجد الساعدي: في العراق لا يتم الاعتراف بالشهادات العليا إلا ان تكون ضمن اختصاص البكالوريوس حسب علمي وهذا يختلف عن نظام الجامعات الاوربية والامريكية.
ومع ذلك كثير من اصحاب شهادات البكالوريوس العراقي (المشكوك بها أيضا) يحصلون على شهادات عليا باختصاصات مختلفة مزورة ومع هذا يتم معادلتها تحت الضغوط وبغير حق. المشكلة ممنهجة وبحاجة الى قوة القانون للحد منها.
وقال الدكتور احمد الميالي خلال تجربتي المتواضعة هذا السياق غير ناجح لدينا لان الدراسة خارج العراق كما اشرت جنابك غير رصينة يعني لم يحصل طالب على ماجستير من بيركلي لأقبله دكتوراه لدي، نعم هنالك فائدة بذلك لكنه يذهب لجامعة تبيع الشهادات أو متطلباتها غير معرفية ثم يأتي ليعادلها هنا.
وخلال هذه الفترة معظم الطلاب نتولى امتحانهم بالمواد الاستدراكية ونجد مستواهم ضعيف واغراضهم غير معرفية اطلاقا، يمكن الحالة الوحيدة التي مرت بنا أحد الاخوة من الوزراء السابقين موجودة في هذا الكروب كان ممتازا ومتمكنا واختصاصه متقارباً مع العلوم السياسية.
التوصيات:
- ان يكون هدف الحصول على الشهادة من اجل العلم بذاته؛ أي لها الاثر في تطوير مستقبله، وليس من أجل تعزيز فرصة الحصول على عمل، أو للترقيات الوظيفية.
- لرفع الضرر عن المصلحة العامة ان لا يكون لحامل الشهادة الحق في التعيين، وتعتمد الوظائف بالاكتفاء على التنافس.
- إلغاء الامتيازات الادارية والمالية للشهادات العليا، ويكون جميع الموظفين في الدولة بدرجة وظيفية متساوية، وتكون الامتيازات على اساس الاداء.
- التوسع في منح الشهادة يجب ان يكون وفقا لضوابط ومحددات، ان القبول في الدراسات العليا يجب ان يكون على وفق الحاجة الفعلية، وحاجات سوق العمل، والا فأنه سيكون عبءاً على البلد.
- ان المعرفة والتكنلوجيا الجديدة تحتاج من المؤسسات التعليمية ان تنتج شبابا متحررا من الجمود، مواكبا للتطور، ولا يتعامل مع محيط محدود.