نستذكر في هذه الايام الذكرى التاسعة عشرة للتغيير السياسي في أعقاب الغزو الامريكي الذي حمل معه تغييرات عميقة في البنى والمؤسسات والنظم السياسية والاقتصادية، وما أفرزته تلك التغييرات من نتائج وتداعيات طالت جميع جوانب حياة العراقيين، كان بعضها ايجابيا نتج عن تغيير الواقع السياسي والتخلص من الدكتاتورية التي رزحت على صدر هذا المجتمع وأدت مغامراتها الى تضييع فرص التقدم والنهوض، عبر سنوات من الحروب العبثية والعقوبات والتدهور الاقتصادي واقصاء الاخر فأصبحت القوى المدنية والسياسية والوطنية تعيش المنفى وغابت فرص المعارضة السلمية للنظام، وأدت بالمحصلة الى الاحتلال.

مع ذلك فقد قلبت تلك التغييرات المجتمع، ومهدت لتشظي الهوية الوطنية على هويات مكوناتية باحثة عن الظهور في شكل وطني جامع، ورسخت اليات الحكم المكوناتي، ومهدت الطريق لتأجيل الحلول للمشكلات المستحكمة والجديدة، والرضا بأنصاف الحلول، وفتحت تلك الاحداث أبواب التدهور الامني، ووضعت البلاد في أكثر من مناسبة أمام منزلقات خطيرة كادت تودي به الى ما لا يحمد عقباه، لولا موقف الشرفاء من أبنائه، تتقدمهم المرجعية الدينية الرشيدة والحكماء من الجيل السياسي الاول التي حمت بدورها البلد من تلك المنزلقات عبر النصح والارشاد والتوجيه والتوكيد على وحدة العراق وكرامة أهله في وجه التحديات.

ولا ننسى ان نستذكر في هذه الايام ذكرى استشهاد المفكر الاسلامي الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس) وشقيقته العلوية بنت الهدى (رح) والتي تزامنت شهادتهما مع ذكرى سقوط الدكتاتورية، اذ انبعثت بتلك الشهادة جذوة رفض الاستبداد والتطلع لبناء الدولة القائمة على صيانة الحقوق. فرحم الله شهيد العراق، الذي أفاض بحياته من العلوم والمعارف ما تألف به مدرسة اسلامية، تؤسس لمنهج أصيل في البناء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ولتكن ذكراه مناسبة لاستلهام الدروس من سيرته ومواقفه الوطنية.

وأخيرا، فان هذه الذكرى تتزامن مع ازمة سياسية جديدة أفرزتها نتائج الانتخابات المبكرة لعام 2021، في الدعوة الى تأليف حكومة الأغلبية بدلاً من الحكومات التي سبق وان سار العرف على تأليفها، وهو ما يعد بتغيير عدادات أسس العملية السياسية التي بنيت ركائزها في عام 2005، وما نتج من تجاوز خطير للمدد الدستورية المحددة بتوقيتات معينة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس لمجلس الوزراء وتأليف الكابينة الوزارية، كما وأفضت الى انسداد سياسي غير مسبوق، وتوتر امني ومجتمعي أدى الى احداث تغييرات سياسية كثيرة، لذا ننتهز هذه الفرصة لنجدد دعوة مركز الرافدين للحوار RCD وللضرورة الملحة والتزامات المرحلة الراهنة الى تعديل الدستور العراقي الحالي واعتماد الطرق الدستورية في حل الازمة الراهنة، وتأليف كابينة وزارية تكون بمستوى التحديات التي تواجه العراق في عالم مضطرب ويعد بالمزيد من التطورات القادمة من الغرب والشرق لاسيما وان جميع دول العالم والمنطقة في حال تأهب واستنفار وعدم استقرار من اجل لملمة وضعها المحلي والاقليمي والدولي لكي لا يصيبها اي ضررٍ من الازمة العالمية على المستوى الامني والاقتصادي والسياسي، حفظ الله تعالى العراق واهله من كل سوء.

مركز الرافدين للحوار RCD

9/4/2022