العراق.. قيمته واهميته بين دول المنطقة في نقطة حِوار بين أعضاء مركز الرافدين للحوار-RCD
ومما لا شك فيه ان العراق واجه العديد من التحديات داخليا وخارجيا، ابرزها عدم توحد الصف الداخلي، وبالنظر لكونه دولة يدار من نخبة جديد تشكلت بعد 2003، فإن اغلب تعاملاته بنيت على حسن النوايا، على نقيض ما قامت به الدول الأخرى عبر سياساتها الخارجية التي لم تكن كذلك، لذا نجد العراق قد خسر في تلك العلاقات وخير مثال ما يعانيه العراقيون عند زيارة اي دولة أخرى. لذا فمن اجل اثبات قوة العراق مرة اخرى، من الضروري دعم السياسة الخارجية بجبهة داخلية قوية تعوض النقص بالقوة السياسية الخارجية.
وفي هذا السِياق؛ أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوار RCD رؤيتهم، من خِلال النِقاش الذي دَار بينهم حول ذلك الموضوع، وقد كان من ضِمن المُتحاورين كُل مِن السادَّة:
1.الدكتور طورهان المفتي| وزير الدولة لشؤون المحافظات السابق
2.الاستاذ ماجد الساعدي| رئيس مجلس الاعمال العراقي في الاردن
3.السيد هاشم الموسوي| عضو مجلس النواب السابق
4.الدكتور انس العزاوي| عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان السابق
5.الاستاذ باسم العوادي| كاتب وصحفي
وتضمَّن الحِوار الذي دارَ بينهُم ما يأتي: -
نظرا للموقف السيء الذي حصل من قبل أحد دول التعاون الاقتصادي تجاه العراقيين وبخاصة البحار العراقي، فقد بين الاستاذ ماجد الساعدي: موقف السلطات المصرية في المطارات والحدود بانها من اكثر السلطات التي تتعامل بقسوة مع العراقيين سواء أكانوا سائحين أو بحارة أو زيارات عمل لابد ان يكون هنالك موقف شديد وواضح من الحكومة العراقية وخصوصا انها تروج الى التعاون الاقتصادي الثلاثي.
مضيفا بالرغم من كتابة وكيل الشركة الملاحية تعهدا خطيا بأنه مسؤول مسؤولية مباشرة وضامنة لهذا البحار عن المصاريف المترتبة عليه كافة.. فقد تمت معاملته بشكل غير لائق ولا تليق بأبسط معاني ومبادئ الانسانية.. وللعلم لا توجد دولة بالعالم كله تعامل البحار العراقي كما يعامله اخواننا المصريين مع الاسف.. وكذلك لا توجد جنسية بالعالم تعامل بهذه الطريقة المذلة من قبل الاخوة في مصر ..
وقال لقد خاطبت بعض الشركات الملاحية الجانب المصري لتسهيل التحاق البحارة العراقيين ونزولهم وذلك بعمل فيزا مسبقة للبحارة ليتسنى للبحار ان ينزل ويصعد بكرامة ولكي يتسنى له المبيت في الفندق بعد عناء ولكنهم رفضوا مع الاسف ...
كما أوضح السيد هاشم الموسوي ان التعاون الاقتصادي الثلاثي تحكمه التوجيهات الامريكية ولا شيء يعلو على ما تريد الا (صراخ البعض بالسيادة واستقلال القرار العراقي) كذبا وزورا .... ولذلك فمصر متأكدة كما غيرها ان هذه الامور (يبصم عليها ساسة بغداد رغما عنهم لا اختيارا) فلا قيمة لها عند مصر ولا عند غيرها.
واكد الاستاذ ماجد الساعدي ان من يريد التعاون الاقتصادي معنا فليحترم شعبنا أولا، ويحترم عقولنا لا يمكن الاستمرار بإهانة هذه الشريحة من العراقيين وهم يؤدون واجبهم في العمل ونقل البضائع للعراق والعالم لا لشيء بل لكونهم عراقيين فقط.
وقال الدكتور طورهان المفتي: السياسة الخارجية دائما تبنى على الحذر وبكل تأكيد لن تبنى على اساس حسن النوايا؛ ولذلك دائما هناك اتفاقيات يكون في جنباتها جملة حسن النوايا مما يوكد ان السياسية الخارجية باي دولة لا تبنى بحسن النوايا، العراق بعد 2003 دولة حديثة التشكيل ولأجل اثبات العراق كدولة مرة اخرى فان غالبية التعامل تكون بحسن النوايا وبذلك يكون العراق هو الخاسر في تلك العلاقات وما يحصل للعراقيين عند زيارة دول اخرى خير مثال على ذلك.
وبين الاستاذ باسم العوادي ان السياسة الخارجية انعكاس للاستقرار الداخلي أو مرآة عاكسة لقوة الوضع الداخلي، ولا تنجح اي سياسة خارجية مالم تقف خلفها جبهة داخلية قوية معتمدة على دولة ومؤسسات وقيادة وتناغم تام بين الداخل تترجمه الدبلوماسية الخارجية الى سياسات أو علاقات أو مواقف ثابتة… لذلك اعتقد أن المشكلة في الداخل ومتى ما تراصت الجبهة الداخلية سيكون من اول مظاهرها هو الثبات والقوة في السياسة الخارجية.. وعكسه فالتطبيق ليس مستحيلا ولكن صعب .
من جانبه فقد بين الدكتور انس العزاوي ان لدينا مبدأين رئيسيين في السياسة الخارجية هما (مبدأ عدم التدخل بالشوؤن الداخلية للدول) ومبدأ (المعاملة بالمثل) وبين هذين المبدأين تتأرجح سيادة الدول واستقلال قرارها !!!
لكن مع الاسف السياسة الخارجية العراقية غير قادرة على فرض التعامل بالمبدأين على الرغم من اهميتهما كمبدأين رئيسيين في ميثاق الامم المتحدة أو الاتفاقيات الدولية المنظمة للعمل الدبلوماسي .
واستذكر الدكتور طورهان المفتي انه في احدى الجلسات حول المياه وتقليل حصة العراق انا رفضت اقحام وزارة الموارد المائية في الوفد الذي يذهب لحلحلة موضوع المياه، وقلت ان هذه المشكلة لا تخص وزارة الموارد المائية وانما تمس امن البلاد؛ ومن ثم فان التعامل يكون من خلال ملفات متداخلة امام ملف المياه. لكن النتيجة كانت ان يتوجه وفد وزارة الموارد المائية لحل هذا الموضوع وبالتالي تحول الموضوع الى مساعدة وليس الى التعامل بالندية.
فيما اكد الاستاذ ماجد الساعدي بان العراق دولة مهمة اقتصاديا وجغرافيا للعديد من دول المنطقة التي تعده عمقها الامني والاقتصادي والجيوسياسي، وبناء على ذلك يجب ان تبنى سياستنا الخارجية على اهمية بلدنا للجميع وما نشكله من حلول لمشاكلهم وليس من مبدأ الحاجة والرغبة والنوايا بل باحترام مواطنينا ومصالحنا وخصوصيتنا سياسية كانت ام دينية ام عرقية .
وقال الدكتور طورهان المفتي الجيوبولتيك العراقي يفرض علينا التعامل الحذر وتقديم النوايا السيئة على حسن النوايا بغير ذلك فان البلاد تؤكل من قبل الجميع.
الدكتور انس العزاوي نحتاج من يعرف قيمة العراق من سياسيينا كما انتم حددتم اهميته الجيوبوليتيكية .
وقال من الممكن تعويض النقص الداخلي بالقوة السياسية الخارجية .. اما التعكز على الاستقرار الداخلي مع اهميته لن يسمح للعراق كدولة ان تكون لاعبا دوليا فاعلا.
اولى معاناتنا كدولة هو التدخل الخارجي كمحرك للاختلاف الداخلي .. اذا استطعنا تعويض النقص الداخلي بقوة علاقات خارجية قادرة على تجفيف أو تحجيم التدخل الخارجي سيكون لنا السبق فيها.
وقال الاستاذ ماجد الساعدي اتفق معك تماما وخصوصا اذا استعملنا الادوات الاقتصادية مقابل عدم التدخل والتعامل الجيد ودعم البلد في المحافل الدولية وتطوير العلاقات
وبين الدكتور طورهان المفتي أن توحد الصف الداخلي ينعكس على قوة القرار الخارجي، لكن مع وجود انقسام داخلي يعقبه استقطاب خارجي لأطراف الانقسام فان السياسة الخارجية تكون ما يطلق عليه (اشخط يومك).
اما استخدام القوة الاقتصادية فهذه نقطة مهمة جدا وتوجب ان تكون وزارة المالية والتجارة والنفط والخارجية لدى كتلة سياسية واحدة في حال وجود الانقسام الداخلي للحيلولة دون تفتيت هذه القوى الاقتصادية والتي تنعكس على السياسة الخارجية.
ويرى الاستاذ باسم العوادي بان ذلك لا يمكن فالدول لا تتعامل مع الخارجية وانما تتعامل مع قيادات الدولة، ولو رجعت الى التاريخ القريب لرأيت ان لكل رئيس وزراء سياسة خاصةً في تعامله مع الخارج تقديما لهذا أو تأخيرا لذلك ….
كنموذج أو مثال: ما هو الموقف من اهم ثلاثة دول اقليمية (ايران/ تركيا/ السعودية)؟.
الداخل متناقض جدا في ذلك. نعم هناك سياسية خارجية للتعامل البروتكولي معها لكن هذه الدول تعلم ماهية المواقف الداخلية.
وعليه اعتقد ان تحميل الخارجية مسؤولية التناقضات الداخلية أو ان تتحول الى صانع سياسة على جذور تناقض مهمة عسيرة، لكن بالمحصلة هذا لا يمنع ان يكون للخارجية العراقية شخصيتها الخاصة، وان يكون لها بصمة واضحة بحسب قدرتها على استيعاب التناقض الداخلي وتوجيهه مهنيا وموضوعيا قدر ما استطاعت.
اوضح الدكتور انس العزاوي: تعقيبا على المداخلة اعلاه قائلا..
• أولاً: انا اتكلم عن سياسة خارجية "دولة " وليس مزاجيات قادة سلطات مختلفة !!!
• ثانياً: الدول تتعامل مع مخرجات دولة وليس مخرجات قيادات .
• ثالثاً: طبيعة النظام السياسي البرلماني - الاتحادي في العراق القائم على ثنائية - استقلالية وتعاونية السلطات الثلاث يعطي الصلاحية الحصرية في رسم وتنفيذ السياسات العامة بما فيها السياسة الخارجية للسلطة التنفيذية، وفي الوقت نفسه يعطي هامش لباقي السلطات في تجسير العلاقات مع المؤسسات النظيرة في الدول لكن بحضور وتنسيق ومتابعة ممثلي السلطة التنفيذية (وزارة الخارجية وبعثاتها).
• رابعا: التأثير المتبادل أو ما يسمى بالتفاعل وفي المستوى الحديث (التشاركية) هي من سمات دورة الحياة في مجال العلاقات الدولية لكنها حصراً بالدول وحديثاً ما يسمى باللاعبين من غير الدول .
• خامسا: الدبلوماسية الناجحة هي القادرة على تحقيق مصالحها الاستراتيجية الوطنية العليا في تعاملاتها الخارجية وتقليل تأثير القلق الداخلي على الاداء الخارجي .. الكثير من الدول حتى الناجحة منها تتعرض لكثير من الاهتزازات الداخلية لكنها لا تعكس هذا الاختلال في سياستها الخارجية وعلاقاتها .
يبقى السؤال الذي اشاركك فيه المخاوف.. هل تمتلك الدبلوماسية العراقية القدرة على تقليص هامش التأثير الداخلي على ادائها الخارجي وبما يحافظ على وحدة الرؤية للمصلحة الوطنية؟
وقال الاستاذ ماجد الساعدي منذ 2003 وسقوط النظام لم نشهد توحد الصف الداخلي بالرغم من فترات كان فيها التوافق واضحا لكن هذا لا يمنع من تأسيس علاقات دولية ثابتة ومتينة ومبنية على التكافؤ والتفهم والمنفعة المشتركة .
لا اظن ان طرف سياسي عراقي يرفض هذه السياسة فلماذا لا تعتمد وتكون سياستنا الخارجية مبنية على ردود افعال ورغبات اطراف سياسية تحب طرف معين يوما وتكرهه بعد حين ؟
في قناعتي ان وزارة الخارجية يجب ان تبقى بعيدا عن المحاصصة والحزبية؛ بل تكون مستقلة تماما وبسياسات واضحة تخدم العراق والعراقيين جميعا وتمثل مصالح البلد الاقتصادية وتستعملها كوسيلة لتحسين العلاقات .
لكن للأسف الخارجية العراقية خضعت لاسوأ تطبيق محاصصاتي عبر سنوات وتم اختيار وزرائها والعديد من السفراء غير الكفوئين على مبدأ المحاصصة، مما ادى الى اضعافها وتشتت سياساتها. اعتذر عن قساوة التشخيص لكنه الواقع المؤلم والصراحة مطلوبة للتصحيح.
وقال الدكتور طورهان المفتي: هناك توافق وهناك اتفاق على تشكيلة الحكومات المتعاقبة، لكن برأي المتواضع التوافق لا يعني وحدة الصف مطلقا، وانما لا يتعدى مرحلة التفاهم وهي مرحلة بعيدة جدا عن وحدة الصف السياسي.
التوصيات:
- يجب تأسيس علاقات دولية ثابتة نابعة من مبدأ التكافؤ والمنفعة المشتركة.
- من الضروري ان نشهد ترابطا بين السياسة الداخلية والخارجية، وان يكون للأخيرة شخصيتها الخاصة، وان يكون لها بصمة واستيعاب التناقض الداخلي وتوجيهه مهنيا وموضوعيا.
- استخدام القوة الاقتصادية وانعكاسها على السياسة الخارجية يعد من النقاط المهمة جدا؛ وذلك من خلال ان تكون وزارة المالية والتجارة والنفط والخارجية في كتلة سياسية واحدة في حال وجود انقسام داخلي، للحيلولة دون تفتيتها.
-لأنهاء معاناة الدولة يجب منع التدخلات الخارجية أو تحجيمها، بتعويض النقص الداخلي بقوة خارجية قادرة على تجفيف ذلك التدخل.