عقد مركز الرافين للحوار (R.C.D) في مقره في النجف الأشرف ندوة علمية تحت عنوان "استراتيجيات تطوير مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في العراق" يوم الجمعة الموافق 15 نيسان (أبريل) 2022. أدار الندوة الأستاذ الدكتور أحمد المعموري رئيس هيأة المستشارين في المركز. وحاضر فيها كل من الأستاذ الدكتور ياسين العيثاوي وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لشؤون البحث العلمي والأستاذ الدكتور صلاح هادي الفتلاوي رئيس جهاز الأشراف والتقويم في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وتطرَّق المحاضران الى كل ما يتعلق باستراتيجيات تطوير التعليم العالي والبحث العلمي، واستعرضا أهم المعوقات التي تعرقل مسيرة البحث العلمي في العراق، فضلاً عن طرحهما حلولاً مهمة يمكن أن تساعد في تطوير إمكانيات الوزارة للنهوض بالواقع العلمي والبحثي. وفي أدناه أهم ما جاء في الندوة من استنتاجات وتوصيات.

الاستنتاجات:

1.    تتميز مسيرة التطوير والإصلاح في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بكونها معقدة أكثر من غيرها من بقية المؤسسات؛ إذ أن مؤسسات هذه الوزارة مترابطة فيما بينها، ومن ثم، فإن أي عملية للإصلاح يجب أن تكون شاملة لكل القطاعات. لذا تتطلب عملية الإصلاح استراتيجية شاملة ومستدامة.

2.    أبرز المشاكل التي تشكل تحدياً حقيقياً لمسيرة البحث العلمي في العراق هي ضعف التمويل والانفاق على البحث العلمي. فالبحث العلمي، بسبب ذلك، شبه معطل. إذ كيف يتحفز البحث العلمي وميزانيته تصل أحياناً الى الصفر. فضلاً عن عدم وجود دعم مالي للبحث العلمي في المؤسسات التابعة للوزارات الأخرى المستفيدة، مما يضطر الموظف المسؤول للعمل بشكل شخصي مع مراكز البحوث في الوزارات الأخرى من أجل التعاون المتبادل الذي يعود بالفائدة على الدولة والمؤسسات ذات الصلة ويصب في صالح البحث العلمي وانعاشه.

3.     من أهم المشاكل التي تواجه التعليم العالي والبحث العلمي هي قِدَم التشريعات والقوانين الموجودة التي تتعلق بها، إذ أن أغلب هذه التشريعات والقوانين لا تواكب ما تحتاجه مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي اليوم، ولا تقتفي عملية التطور التي تسير عليها الجامعات المرموقة في العالم. فلقد أضحت لا تلبي متطلبات العملية التعليمية والتربوية اليوم. فضلاً عن عدم وجود استراتيجية واضحة لتعديل القوانين في الوزارة، فعملية تولي المهام الإدارية العاليا داخل الوزارة لا تساعد على عملية البناء التراكمي من أجل وضع قوانين جديدة أو تعديلها؛ فمقترحات القوانين التي توضع من قبل إدارة معينة تُلغى من قبل الإدارة اللاحقة. أضف الى ذلك أن القوانين التي ترسل الى مجلس النواب تصطدم بعقبات وروتين يتمثل بمجلس الدولة. وحتى القوانين التي أُقرّت، خلقت أزمة جديدة بدلاً من وضع حلول الأزمات السابقة.

4.    ثمة قوانين تم إقرارها من قبل مجلس النواب خلقت أزمات جديدة بدلاً من وضع حلول. على سبيل المثال قانون رقم (20) لسنة 2020 أو ما يعرف بقانون أسس معادلة الشهادات. وقانون الترقيات العلمية فاقم مشكلات الترقيات العلمية وشروطها من خلال النشر في مجلات داخلة ضمن مستوعبات (سكوباس) بعضها غير رصينة (مفترسة)، وهذا يعد محاولة لحل الازمة بأزمة أخرى. ومن ثم، أصبح لدينا الكثير من البحوث تنشر في مجلات مفترسة غير رصينة وغير محصنة ومن ثم لن تخضع النتاجات العلمية والبحثية لمعايير الرصانة. فضلاً عن أن هذا النظام ساهم في تراجع أهمية الترقية في نظر الباحث العراقي.

5.     إن جزءً كبيراً من الاقبال الشديد على الدراسات العليا هو لتحسين الدخل المادي؛ ففي بعض الوزارات هناك زيادة على الراتب الشهري تصل الى 100% أو 200% عندما يحصل الموظف على الشهادة العليا. ومن ثم، يكون المتقدم أو المقبل على الدراسات العليا غير مهتم وغير معني من أين يحصل على الشهادة وكيف يحصل عليها وماهي رصانتها وماذا ستضيف له في مسيرته العلمية والعملية.

6.     وعلى الرغم من المعوقات، وفي ضوء الإمكانات المتاحة، قامت الوزارة بالشروع ببعض الخطوات الجيدة التي تساعد في تحسين بعض الجوانب، لا سيما في مجال البحث العلمي، كمقدمة لتعديل المسار، مثل: تطوير موقع المجلات العراقية والذي من شأنه أن يحسن الخدمات المقدَّمة للباحثين، وتشكيل عدة لجان، منها لجنة التحول الرقمي ولجنة تقويم المكتبة الافتراضية. فضلاً عن وضع خطة تطويرية لدائرة البحث والتطوير، وجعل الاجتماعات نصف السنوية، التي تعقد بهذا الصدد، اجتماعات فصلية، فضلاً عن وضع خطة تطويرية لكل قسم داخل الوزارة، بما يساعد في وضع سياسات عامة واضحة يمكن أن يتم من خلالها توجيه الطاقات وتوظيفها.

7.     بلغ عدد البرامج الدراسية المفتوحة 1914 برنامج في العام الدراسي (2020 - 2021) ، وفي السنة الدراسية (2021 – 2022) بلغت 2076 برنامج، أما البرامج الدراسية المستحدثة للسنة الدراسية (2022 – 2023) فلقد بلغت 2098. أما عدد المقبولين في الدراسات العليا فقد بلغ عددهم في العام الدراسي (2020 - 2021) بلغ 109 الف، وفي (2021 - 2022) بلغ 72 الف. إن طلبة الدراسات العليا الموجودين كخطة، وليس زيادة توسعة، بلغوا في العام الدراسي (2020 - 2021) 11262 طالباً، وفي (2021 - 2022) بلغوا 1105 طالباً. والتوسعات التي أتت بأعداد إضافية فوق هذا العدد ألقت بظلالها السلبية على التعليم العالي بشكل عام والدراسات العليا بشكل خاص.

8.     افتقار أغلب المؤسسات العلمية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي للأجهزة المتخصصة، وعدم وجود فُرق بحثية متكاملة، ففي البحوث المهمة يكون هنالك فرق عمل متكاملة ومتنوعة لكي يتم انتاج البحوث، لا سيما التطبيقية منها، بصورة أفضل لمعالجة مشاكل محلية ملحّة.

9.     تتلقى وزارة التربية - التي تصدِّر مخرجاتها الى التعليم العالي - تغذية راجعة (Feedback) من الأخيرة، حيث تعاني وزارة التربية من قلة الجودة والنوع في مخرجات التعليم العالي التي يفترض أن تعمل في وزارة التربية، وأسباب ذلك كثيرة لعل من أبرزها تباعد المناهج بين الوزارتين، والقبولات التي تدفع الطلبة لاختصاصات غير راغبين بها ولا تتلاءم مع يمتلكونه من إمكانات.

التوصيات:

1.    إعادة النظر في الأطر القانونية والتشريعية التي تخص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لكي تواكب ما يطرأ على هذا المجال من تطورات وتحولات. لا سيما القوانين التي تمس العاملين في الوزارة بشكل مباشر، مثل قانون انضباط الموظفين، وقانون التعليم العالي، وقانون الترقيات العلمية، فضلاً عن القوانين التي توضع لرصانة المؤسسات العلمية والبحثية. ويمكن تلافي مشكلة التأخر في إصدار أو تعديل هكذا تشريعات أو قوانين، من خلال وضع الأنظمة والتعليمات واللوائح الوزارية، لغرض مواصلة سير العملية العلمية والبحثية في. 

2.    إن كيفية حصول الموظف او الطالب على الشهادة العليا هي مسؤولية الوزارة، لذا يجب إعادة النظر في الشروط والتعليمات والضوابط التي توضع للمتقدمين للدراسات العليا داخل العراق وخارجه، لكي تتم فلترة من يستوفون الشروط العلمية والموضوعية. والوقوف بوجه التدخلات السياسية التي تُعيق سير عمل الوزارة في إفراز نخبة نوعية من طلبة الدراسات العليا وفق خطط تعدها الجامعات بالتنسيق مع الكليات والاقسام العلمية، بعيداً عن التخبط في إصدار القرارات ووصول كم هائل من الطلبة الى المقاعد من غير المستوفين للشروط الحقيقية للقبول في الدراسات العليا. وهذا سيعود، بالطبع، بالفائدة على مسيرة البحث العلمي.

3.    إعداد استراتيجية وطنية تحدد مسار التعليم العالي والبحث العلمي، وتكون واضحة وشاملة لكل مفاصل الوزارة. وتكون عن طريق عملية تراكمية وتنموية لا تتأثر بأهواء من يتعاقب على المواقع الإدارية العليا في الوزارة. وأن تُتبع الرصانة والحزم في فرضها، ولا تخضع، من ثم، الى التدخلات والمجاملات السياسية، ويكون استقلال الجامعات جزء أساس منها. 

4.     ضرورة تكثيف الجهود لترصين المجلات العراقية والعمل على رفع معامل التأثير لها (Impact Factor)، من أجل تقليل الاعتماد على ما يسمى بمستوعبات (سكوباس)، وزيادة زخم مشروع دخول عدد أكبر من المجلات العراقية ضمن هذه المستوعبات الذي تقيمه الوزارة حالياً. ليكون محرك المجلات العلمية العراقية مستودع قادر على استيعاب جميع البحوث العلمية في الاختصاصات كافة.

5.    إخضاع الأعداد التي يتم قبولها في الدراسات العليا للتخطيط ومعرفة مدى استيعاب الإمكانيات المتوفرة للبنى المؤسسية التابعة للوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وإعادة النظر في اللجان التي تشكل لمناقشة طالب الدراسات العليا، من حيث التخصص الدقيق وعدد مرات المناقشة في السنة الواحدة، سعياً لفرز مخرجات علمية تُرفَـد بها المؤسسات العراقية.

6.     إعطاء أهمية للبحث العلمي فيما يتعلق بالاختصاصات والقطاعات التي يحتاج اليها البلد، وربطه في موضوع الدراسات العليا والابتعاث. والحرص على انتاج مخرجات نوعية تساعد على تقوية المؤسسات والقضاء على البطالة المقنعة. وضرورة انتقاء المبدعين والخلّاقين من خلال سبر أغوار الأبحاث والرسائل والاطروحات التي تكتب في المجالات والدفع بمخرجاتها الى المؤسسات المعنية وتكريم منتجيها، سعياً لتسخير الطاقات الإيجابية لحل الكثير من المشاكل بالجهود الذاتية لأبناء البلد.

7.    الحفاظ على استقلالية واضحة للجامعات، والاستمرار في المضي قُدماً بآليات تعاونها مع مؤسسات الدولة الأخرى، كأن يتم التعاون والتنسيق مع وزارة التخطيط من أجل التوفيق بين حاجة سوق العمل وبين المقبولين للدراسات العليا.

8.    ثمة وظائف ستنقرض في السنوات القادمة، لذا يجب التركيز على استحداث اختصاصات ودراسات تتماهى وتتناسب وتتماثل مع المهن والوظائف في المستقبل. كما يجب أن تكون هناك دراسة حقيقية من قبل الوزارة في هذا المجال، والتغلب على العوائق التي من أبرزها عدم إجراء التعداد السكاني الذي يساعد في تحديد الفئات والاعمار الداخلة، والتي يمكن أن تدخل، سوق العمل.

9.    النظر في مسألة قلة التخصيصات المالية، وتكثيف الجهود لوضع بنى تحتية جديدة لاستيعاب الانشطار والاستحداث الذي يطرأ على الجامعات الحكومية، والكم الهائل من الطلبة المتقدمين لهذه الجامعات كل سنة. فقلة التخصيصات المالية للجامعات الحكومية يجعلها ضعيفة أمام نظيراتها من الجامعات والكليات الأهلية.

10.                   العمل على إنشاء كيانات أو مؤسسات تساعد على تطوير استراتيجيات للتعليم العالي والبحث العلمي في العراق. كإنشاء مجلس أعلى للبحث العلمي وينظَّم، عمله وصلاحياته والسياسات التي يضطلع بها، بقانون. فضلاً عن إمكانية إنشاء صندوق للبحث العلمي، يتم تمويله من قبل الوزارات والمؤسسات الأخرى التي تحتاج الى خبرات ونتاجات بحثية لحل مشاكلها، ويمكن للجامعات تقديم حلول بشأنها لقاء مبالغ توضع في هذا الصندوق.

11.  ضرورة ردع الاهمال الحاصل لمراكز الأبحاث والدراسات التابعة للجامعات، من خلال: وضع ميزانيات خاصة ترفع من قدرتها وكفاءتها وتحسن عملها، وإعادة النظر في الأنظمة والتعليمات الخاصة بها، وتحفيز العاملين فيها ورفدها بالطاقات الخلاقة، والعمل على إقامة صلات بينها وبين مراكز الأبحاث المحلية والعالمية لنقل وتبادل الخبرات وتلاقح الأفكار. وجعلها مراكز الأبحاث العراقية حلقة من حلقات صنع القرارات المصيرية، كما هو الحال في الدول المتقدمة.

12. إعطاء أهمية قصوى لردع التدخل السياسي في عمل الوزارة. لكون هذه التأثيرات والتدخلات تثقل كاهل الوزارة وتخلق المزيد من المتاعب والمعرقلات لعملية تطويرها. لا سيما أن القرارات السياسية التي تفرض على الوزارة ليست ملزِمة لها، ولا يترتب على عدم القبول بها أي تداعيات. والأمر بحاجة الى عدم الرضوخ والامتثال لهذه التأثيرات والتدخلات.

13. إعادة النظر في قِدم المناهج التي تدرس منذ سنين طويلة، والتي مضى عليها، في بعض التخصصات، ثلاثين سنة، ولم تعد تواكب المستجدات والتطورات التي تطرأ على الاختصاص العام والدقيق الذي كُتبت فيه. لا سيما أن بعض التخصصات تحتاج الى مواكبة مستمرة لمعرفة ما يطرأ عليها من مستجدات لتخريج طلبة عصريين واعين لما يحدث في عالمنا اليوم الآخذ في التطور والتغيير في زمن السرعة.

14. الاهتمام بالتخصصات المهنية التي تخدم الواقع الصناعي والخدمي والزراعي وتطورها، ورفد سوق العمل بهم، لا سيما أن العراق بحاجة ماسة الى تسخير هكذا طاقات للنهوض بالقطاعات الاقتصادية والصناعية والخدمية، وتقليل الاعتماد على انتاج اغلب السلع على الدول الأخرى واتباع استراتيجية اكتفاء ذاتي، تعتمد على ما تنتجه هذه الطاقات المهنية. 

15. إيجاد حوافز للجامعات العراقية للتنافس من أجل تقديم الأفضل والأرصن؛ كوضع تصنيف للجامعات الأهلية بفئة (أ)، و(ب)، و(ج)، وكل فئة تتقدم على الأخرى تُمنح عدد أكبر من الطلبة.

16. إعطاء الامتيازات للمانحين الذين يدعمون مشاريع للبحث العلمي في العراق، كإعفائهم من الضرائب، وتسهيل خطوات عملهم في هذا المجال داخل العراق.

 

استراتيجيات تطوير مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في العراق 

استراتيجيات تطوير مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في العراق

استراتيجيات تطوير مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في العراق

استراتيجيات تطوير مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في العراق

استراتيجيات تطوير مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في العراق

استراتيجيات تطوير مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في العراق

 

قراءة / تحميل