شهد العراق بعد عام 2003 مواسم انتخابية لاختيار من يمثلهم في السلطتين التشريعية والتنفيذية في إطار النظام البرلماني، التي شهدت نسبا متفاوتة في المشاركة، نظر اليها المراقبون على انها من صور الاحتجاج الشعبي على العملية السياسية وأداء النخب في إدارة الدولة، بل حتى قيل أنها عقوبة للأحزاب على عدم تلبيتها رغبة الشعب في تحسين ظروف المعيشة ومجمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وتحميلها مسؤولية الفشل في ادارة مؤسسات الدولة ونقص الحوكمة والشفافية.
واكدوا بعد كل انتخابات تخوض القوى السياسية حوارات ومواجهات تستغرق وقتا طويلا وتدخل الدولة في اشكالات دستورية واحراجات قانونية قبل الاتفاق على تشكيل حكومة اتحادية أو حكومات محلية.
وهنا يرد السؤال متى يتفق شركاء العملية السياسية وتتحاور الاحزاب لإنضاج منظومة انتخابية متكاملة؟
وفي هذا السِياق؛ أبدى السادَّة أعضاء مركز الرافدين للحِوار RCD رؤيتهم، حول ذلك:

- أ.د. الخبير طورهان مظهر المفتي| مستشار رئيس مجلس النواب
- الاستاذ سعد الراوي| نائب رئيس المفوضية العليا للانتخابات الاسبق
- د. غايب العميري| القيادي في الكتلة الصدرية
- د. عقيل عباس| استاذ في الجامعة الامريكية‏
- الاستاذ محمد صادق الهاشمي| رئيس مركز العراق للدراسات الاستراتيجية
- الاستاذ ساطع راجي| باحث وكاتب
- اﻻستاذ سعيد ياسين موسى| ناشط مدني

وتضمَّن الحِوار:

اشار الاستاذ ساطع راجي ربما كانت القراءة البرلمانية الاولى لمقترح تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان يوم 13 شباط (فبراير) 2023، مجرد محاولة لاستكشاف ردود أفعال الصدريين والقوى السياسية الأخرى، فقد ظهر مقترح التعديل فجأة وبلا تمهيد وبطريقة غامضة ودون ان تتبناه كتلة أو جهة سياسية؛ ومن تعليقات المتخصصين يبدو مقترح القانون ملغوما بالاشكالات الدستورية والتنفيذية وكأنه طرح ليتم رفضه أو على الاقل لإثارة خلافات جديدة للقفز على استحقاقات وواجبات راهنة، لتخرج القوى السياسية من التزاماتها تجاه المواطنين وتأخذهم إلى معركة مفتعلة.

لقد وعدت الحكومة بتقديم مشروع قانون انتخابات مبكرة خلال مائة يوم من تشكيلها، وإذا كان الايفاء بهذا الوعد ضروريا فإن انتاج قانون يحظى بمقبولية واسعة لا يقل أهمية عن الايفاء بالوعد الحكومي؛ لأن هذا القانون صار موضوعا سياسيا حاسما.

من الصعب وربما المستحيل اعتبار قانون ما هو الافضل من غيره لإجراء إنتخابات عادلة وعملية؛ فكل تصور أو مقترح لقانون الانتخابات إنما يعبر عن مصلحة جهة سياسية، ومن ثم لا يوجد قانون مثالي ابدا، لكن أي قانون انتخابات يجب ان يحظى بأوسع مقبولية شعبية وسياسية ممكنة، وهذه المقبولية لا تحددها الحجوم النيابية فقط بل تشمل القوى والفئات غير الممثلة في البرلمان أيضا والمزاج العام.

في حالات كثيرة يكون من حق القوى البرلمانية صياغة قوانين الانتخابات بمفردها لكن في الحالة العراقية يكون من الصعب تجاوز الارادات والمصالح غير الممثلة في البرلمان الحالي؛ لأن آخر انتخابات شهدها العراق كادت تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، وعليه من المتوقع ان تثير أي محاولة استفراد بتشريع قانون للانتخابات المقبلة إلى تهييج الجروح التي مازالت مفتوحة.

بعد كل انتخابات تخوض القوى العراقية حوارات ومواجهات تستغرق وقتا طويلا وتدخل الدولة في اشكالات دستورية واحراجات قانونية قبل الاتفاق على تشكيل حكومة اتحادية أو حكومات محلية، وفي المرة الاخيرة كانت المواجهة بين القوى السياسية مؤذية للجميع لذلك فإن الاجدر بالقوى السياسية خوض حوارات حقيقية وموثقة قبل الذهاب إلى الانتخابات، حوارات تؤدي إلى ترتيبات واتفاقات على قانون الانتخابات وعلى ما بعد الانتخابات إلى حد تشكيل التحالفات الحكومية وتسمية مرشحين لتولي رئاسة الحكومة مسبقا كما يحدث في معظم النظم البرلمانية التي لا تترك هذا المنصب المهم للصدفة، وفي كل الاحوال فإن الخيارات العراقية أصبحت محدودة وواضحة بعد الانقسام الحاد بين القوى السياسية.

أي قانون انتخابات سيكون جيدا إذا ما حظي بقبول أكبر عدد ممكن من الراغبين بالمشاركة في الانتخابات سواء في الترشيح أو التصويت، كما ان الطيف الواسع من المواطنين الذي لا يشارك في الانتخابات صار طموحه الاكبر ان لا تؤدي الانتخابات إلى مواجهات ومواقف تعرقل الحياة اليومية وتهدد الاستقرار الامني بعدما يأس هذا الطيف من امكانية حدوث طفرات في الاداء السياسي.

واضاف‪   الاستاذ سعد الراوي اننا نحتاج حوار لاصلاح المنظومة الانتخابية وليس فقرة من هذا القانون، فالمنظومة خارج المعايير الدولية، وانه لا بد من اشراك كل أطراف العملية السياسية في الحوار (مفوضية الانتخابات، السلطات الثلاث، الاحزاب السياسية، المنظمات غير الحكومية، الاعلام، مراكز البحوث والاكاديميين .. الخ). فالتوقعات ستكون اشد من الانتخابات الاخيرة ان لم نعالج هذه الامور وخصوصا الاشكالات الفنية التي كادت ان تنهي العملية السياسية في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2021.

واوضح  د. غايب العميري بان كل القوانين الانتخابية فيها ايجابيات وسلبيات. ولا يوجد قانون متكامل. ومن الممكن كذلك أن نذكر سلبيات سانت ليغو من حيث اقصاء الاحزاب الناشئة وللمستقلين وهيمنة الاحزاب الكبيرة واقتصار في تمثيل الشعب وووو.

وقال الاستاذ محمد صادق الهاشمي‬‏ الكلام ينتهي إلى خير الامور لكن مع حفظ الأسس للعملية السياسية التي تعتمد في كل العالم على كتل أو أحزاب كبيرة. هذا فضلاً عن برنامج وإخلاص الكتل‬ ومن هنا يأتي الاشكال في إعطاء قانون عام خصوصاً بإسم المرجعية.‬‬‬

وبين د. غايب العميري هذا ما طلبته المرجعية ومن ثم خرج الشارع وطالب بذلك ايضا. ومن ثم رجعت المرجعية واكدت عليه في خطبة اخرى عندما وجدت ان ما خرج من اجله الشارع هو للمصلحة العامة ولخدمة البلد. فما انا إلا ناقل لهذه الخطبة وهناك خطبة اخرى تعضد وتطالب بالتغيير كذلك .

واوضح الاستاذ محمد صادق الهاشمي كلامنا ليس اعتراض لا على الناقل ولا على المنقول، بل مجرد رأي بحدود المسموح الذي لا يشكل اعتراض على المرجعية وأصل رأينا بخصوص الاطلاق‬‬‬.‬

وذكر ‏‪- د. عقيل عباس في مداخلته ليست العملية السياسية هي الاساس، بل مصلحة المجتمع والاختلاف بين الاثنين كبير العملية السياسة تحتكرها وتستفيد منها احزاب معينة بعد ان افسدتها على نحو واضح بحيث اصبح الحفاظ على هذه العملية السياسة الكارثية هو الهدف الرئيس لهذه الاحزاب وليس مصلحة المجتمع. ‬

في الانظمة الديموقراطية الحقيقية والمستقرة القوانين الانتخابية تصاغ من اجل مراعاة التمثيل والمشاركة السياسية للمجتمع وليس مصلحة الاحزاب الحاكمة كي تبقى في الحكم.. هذا عمليا ما يحصل في العراق. التطور المهم الوحيد الذي حصل في القوانين الانتخابية في العراق هو القانون الذي اجريت بموجبه انتخابات 2021، لكن الجماعة يريدون الغاءه والعودة إلى قانون قديم فاشل واحتكاري ويلائم مصالح الاحزاب الحاكمة وليس المجتمع..‬‬‬

الاستاذ محمد صادق الهاشمي‬‏ حديثي لاعلاقة له بعملية سياسية محددة بل مطلقة....أنا أتحدث عن مفهوم عام وعلم عام. مع اعتراضي الشديد على وجود الفرق بين العملية السياسية والمجتمع بل الترابط مصيري مطرد في السلبيات والإيجابيات.‬

وقال ‏‪- د. عقيل عباس في السياسة، أو العلوم السياسية، لا وجود لشيء ثابت أو هدف اسمه العملية السياسية. العملية السياسية هي وسيط بين مرحلتين وينبغي ان تنتهي بعد ان تؤدي دورها، الذي هو في العادة لا يتجاوز سنوات قليلة. جذر العملية السياسية هو انها فترة انتقالية (مرتبطة بمفاهيم العدالة الانتقالية) يتم فيها تفكيك تركة الدكتاتورية والشمولية وتطبيع الاوضاع عبر انهاء المظالم السابقة وصولاً إلى نظام سياسي مستقر وديموقراطي.. هذا لم يحصل في العراق؛ بسبب الأحزاب الحاكمة الحاكمة التي صنعت مظالم جديدة بدلاً من حل المظالم السابقة. مرت 20 سنة يتحدثون خلالها عن العملية السياسية ولم يتقدم البلد عبر خطوة واحدة نحو نظام مستقر، بل بالعكس يتراجع البلد في ظل هذه العملية السياسية. لذلك هذه العملية السياسية ضد مصلحة المجتمع؛ لانها تتعلق بمصلحة الاحزاب الحاكمة حصرا!! قانون الانتخابات الذي تشتغل عليه هذه الاحزاب الان هو مثال اخر على ذلك

وقال اﻻستاذ سعيد ياسين موسى القانون النافذ جيد بل أكثر من جيد؛ ولكن الخلل بعدم تحليل القانون للأحزاب المتنافسة يراد الوصول إلى مجلس النواب بطريقة سهلة مع إمكانية التحكم بالمجلس. 

- الذي يعزز الديمقراطية هي أغلبية حاكمة محل مساءلة ومحاسبة. 

- أقلية معارضة قوية تقوم بالمساءلة والمحاسبة. 

- توفير بيئة تشريعية جيدة.  

- تكليف الكفاءة والخبرة والنزاهة بالوظائف القيادية. 

- وغيرها تفاصيل كثيرة.

وأشار د. غايب العميري بان ذلك ما كانوا يروجون له قبل الانتخابات الاخيرة، ولكن بعد الانتخابات يتغير عندهم كل شيء من اجل السلطة .

وتحدث أ.د. الخبير طورهان مظهر المفتي في تصوري المتواضع هناك مَن يرى ان المجتمع الشيعي بحاجة إلى تغيير في قياداتها في الخط الاول والثاني، خاصة بعد حصول هذا التغيير لدى المجتمع السني وكذلك لدى المجتمع الكردي إلى حدٍ بعيد. هذا أوجد جدالا داخليا وارهاصات عميقة لدى أطراف شيعية في ضرورة التغيير بغض النظر عن تهيؤ المجتمع الشيعي لهذا التغيير من عدمه.

الاشكالية الحقيقية الموجودة داخل الاطراف الشيعية المتضادة هي القناعة التامة بضرورة انهاء الطرف الاخر وهذا ما لاحظناه من خلال التصريحات المتبادلة قبل سنة واكثر مما حول التنافس السياسي إلى صراع من اجل البقاء، وبذلك تكون كل الطرق وكل الادوات متاحة للتعامل لانه صراع بقاء.

بتصوري المتواضع ايضا القيادات الشيعية جميعها (الاباء المؤسسون) والخط الثاني والاطراف السياسية المتضادة تحتاج إلى جلسة مصارحة واتفاق بإشراف المرجعية. ولاسيما ان المرجعية كانت لها آراء عميقة في نوعية الانتخابات وكيفية إدارة الدولة.

واضاف على القوى الشيعية قبل الخوض في هكذا امور ان ترتب اوراقها وتبث نواياها باتجاه المجتمع العراقي عامة والشيعي خاصة من خلال مثلا انهاء ملف سرقة القرن وجلب جميع المتورطين إلى العراق، وكذلك وضع خطة واضحة وذات آلية غير معقدة لاعمار الوسط والجنوب وانتشال هذه المناطق من نكبتهم.

ويجد  د. غايب العميري ان الحل يكمن بمراجعة الطرف الثاني لنفسه وتصحيح اخطائه ومحاسبة من ينتمي له، والعمل على عودة الثقة به من المرجعية والشارع والطرف الاول.

وقال  الاستاذ محمد صادق الهاشمي ونحن نتحدث عن التغيير الإيجابي أو اثارة السؤال بحثا عن إجابات لمشاكل آلعراق.‬ نقد العملية السياسية ليس حلا وان كنت أتفق في قصورها وتقصيرها.‬‬‬

واوضح أ.د. الخبير طورهان مظهر المفتي ان اي تغيير يسبقه تذمر واي تذمر يكون مسبوق بالنقد والانتقاد . ومن ثم ما يحدث هي عملية صناعة التغيير ولكن الذي يحصل فعلياً هو عدم وضوح الجهة التي تريد التغيير لذلك هناك ممانعات قوية واصطفافات سياسية معقدة.

وقال ‏‪الاستاذ سعد الراوي متى نجد شركاء العملية السياسية وخصوصا الاحزاب تتحاور لانضاج منظومة انتخابية متكاملة لا نبقى حبيسي (سانت ليغو). ‬فسانت ليغو ليست قانون كما يدعي كثير من السياسين والمتابعين بل هي طريقة من طرق توزيع المقاعد الكثيرة ولكل طريقة منها ايجابيات وسلبيات، وعلى الاحزاب وخصوصا الناشئة دراسة القانون الانتخابي بعناية وتغيير خطتهم الانتخابية وطريقة اختيار وتوزيع المرشحين لا ان يبقون حبيسي النقد والنقد اللاذع‬‬‬.

اخيرا لا تقتصروا بالحوار على توزيع المقاعد وترسيم الدوائر.. بل اهتموا بطرح الاشكالات الفنية والقانونية الجسيمة في المنظومة الانتخابية وعلى العموم منظومتنا الانتخابية لا تصلح لانتخابات حرة نزيهة على وفق المعايير الدولية.

الاستنتاجات:

- جذر العملية السياسية هو انها مرحلة انتقالية (مرتبطة بمفاهيم العدالة الانتقالية) يتم فيها تفكيك تركة الدكتاتورية والشمولية وتطبيع الاوضاع عبر انهاء المظالم السابقة وصولاً إلى نظام سياسي مستقر وديموقراطي.

- عدم الاقتصار بالحوار على توزيع المقاعد وترسيم الدوائر.. بل الاهتمام بطرح الاشكالات الفنية والقانونية الجسيمة في المنظومة الانتخابية .

- الحاجة إلى الحوار لإصلاح المنظومة الانتخابية وليس فقرة من هذا القانون، فالمنظومة خارج المعايير الدولية، وانه لا بد من اشراك كل شركاء العملية السياسية.

قراءة / تحميل